الأزمة الاجتماعية التي يمرّ بها المغرب في السنوات الأخيرة ناتجة عن عوامل داخلية وأخرى خارجية. ومن أهم هذه العوامل تراجع العديد من القطاعات، وعدم تجاوب الحكومات السابقة والحالية مع عدد من المطالب الإجتماعية.
وتكمن مظاهر هذه الأزمة في طبيعة النخب السياسية الحاكمة. وأعتقد أن هناك عددا من العوامل التي تؤثر على غياب الرؤية، وغياب تصور واضح لمعالجة الأزمات، خاصة الأزمات الأخيرة التي مرّ منها المغرب، باستثناء أزمة كورونا التي كانت فيها الرؤية الملكية نابضة ومتبصرة وحاضرة وقوية إلى جانب أزمة زلزال 9 شتنبر 2023.
فتدبير عدد من القطاعات الحكومية العمومية، عرف عددا من التراجعات، ولم يتمّ التعاطي بشكل إيجابي من قبل الحكومة معها. وهو ما يعكس غياب استراتيجية ورؤية للحكومة لمعالجة هذه الأزمات. ففي التعليم مثلا من خلال تبني النظام الأساسي الجديد لموظفي التربية الوطنية من دون تشاور وتوافق، كان له الأُر في تفجير الأزمة في قطاع يشغل أكثر من 300 ألف موظف ويهم ما يفوق 7 ملايين ونصف أسرة، تعرض فيه الأستاذ لإهانة غير مسبوقة، وهو القلب النابض للعملية التعليمية التعلمية داخل المؤسسة التربوية على سبيل المثال لا الحصر.
وإلى جانب ذلك، نجد نخبا غير مؤطرة سياسيا أو تقنوقراطية تدبّر الشأن العام، تحاول فقط أن تنسجم مع الضغوطات والمتطلبات المالية، لكنها لا تراعي احتياجات المغاربة وانتظاراتهم للأسف.
في اعتقادي، ما يحصل أزمة حكامة، فعدد من القطاعات تشهد إضرابات وتوثرات نتيجة سياسات التقشف التي تنتهج، وغياب رؤى واستراتيجيات ناجعة، وعدم تخصيص ميزانيات محترمة لقطاعات من المفروض أن ينعكس فيها الاهتمام بشكل أكثر وأجود، إلى جانب سؤال نجاعة البرامج والشماريع والمخططات التي يتم أجرأتها في الميدان، ولها انعكاس وأثر على المواطن وحياته ومحيطه.
أعتقد أن التعاطي مع ملفات وقطاعات، كما هو حال التعليم مثلا، بنوع من العشوائية والانتقائية والسياسات الفوقية يكرّس أزمة اجتماعية خانقة، نحتاج فيها إلى مقاربات جديدة واستراتيجيات متجدّدة.
أزمة النخب المسيّرة التي نعيشها اليوم في المغرب، وأزمة استراتيجيات حكومية غير واضحة وملتبسة، وأحيانا منزلقة في اتجاهات سيئة، فطريقة التعاطي مع عدد من الملفات يعكس فشل التصور الحكومي للتدبير .
النخب موجودة، والكفاءات موجودة في المغرب، والمهمشة داخل الوطن، لها من الكفايات والإمكانيات والمهارات مما يمكن أن يساهم في إعطاء نفس جديد لعدد من القطاعات، قدرة على ابتكار الحلول الناجحة، في ظل الأزمات التي نعيشها ونعايشها اليوم. فالملك يقترح عددا من الحلول بمقاربات متعدّدة.
حان الوقت للقطع مع هاته الممارسات العشوائية من خلال هيئات استشارية تعمل في مجالات متعددة، تقدّد المشورة وتقدم تقارير جيدة في قطاعات اجتماعية عمومية، التي تعاني من عدد من المشاكل وتحاصرها القلاقل والأزمات، بسبب غياب رؤية واضحة، رغم وجود الإمكانيات، وتنامي الهدر، كما يحصل في قطاع التربية الوطنية على سبيل المثال لا الحصر.
يجب التّفكير مليّا في هذه الاختلالات وتقويمها، حتى يشعر المواطن بالانتماء والاعتزاز بهذا الوطن.
عصام لعروصي/ خبير في السّياسة والدّراسات الإستراتيجية