Sunday 8 June 2025
كتاب الرأي

عبد الجليل أبوالمجد: الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها

عبد الجليل أبوالمجد: الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها عبد الجليل أبوالمجد
ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع ومن كبار المؤرخين ممن اتصف حكمهم بالمنطق والعقلانية في تحليل الحوادث التاريخية، بدأ حياته بتعلم القرآن، على يد أبيه، وحفظ القرآن الكريم وهو صغير السن، وهو سليل عائلة مشهورة تبوأ الكثير منهم مناصب رسمية كبيرة، فعمل سفيرا وكاتبا ووزيرا في أكثر من دولة، في بلاط دولة بني مرين في المغرب ثم بني الأحمر في غرناطة ثم المماليك في مصر التي ختم فيها حياته. وقد اشتهر ابن خلدون بمقدمته التي تعتبر الكتاب الأشهر وربما الأكثر معاصرة في التراث العربي على الإطلاق.
 
ومن أقوال ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: "الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها، وكلما طال تهميش إنسانها يصبح كالبهيمة، لا يهمه سوى اللقمة والغريزة." فهل هذه النظرية تنطبق على حالتنا وتعكس واقعنا اليومي في وضعية المرأة المقهورة وفي العنف في الشارع العام وأثناء قيادة السيارات؟
 
الناظر لواقعنا اليومي يشهد تفشيا غير مسبوق للعنف ضد المرأة وفي الشارع العام. وأثناء قيادة السيارات. ففيما يخص المرأة يرى عالم النفس مصطفى حجازي في كتابه "التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور"، أن وضعية المرأة في المجتمعات المتخلفة أهم الأمثلة على وضعية القهر، ويعتبرها تعبير واضح عن الإنسان المقهور. وتلعب العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع المتخلف دورا مهما من الناحية الدفاعية، حيث يتهرب الرجل من مأزقه بتحميل كل مظاهر النقص والمهانة التي يشكو منها في علاقته بالمتسلط وقهره وقهر الطبيعة للمرأة. ففي مجتمع القهر يقع اللوم على المرأة دائما، فهي - بحسب مصطفى حجازي- المذنبة أبدا. مذنبة إن استسلمت للإغراء قبل الزواج، ومذنبة إن حرمت المتعة برفقة زوجها، نظرا لما تعرض له جسدها من قمع، ومذنبة إن هي لم تنجب، ومذنبة إن لم تنجب الذكور.
 
وليس من السهل القضاء على وضعية القهر والعنف الممنهج ضد المرأة، بالتشريعات في ظل ثقافة مجتمعية تتسم بالنظرة الدونية المرأة، إذ الإشكال ليس بالضرورة في الدساتير والنصوص القانونية حتى لو كانت جيدة، ولكن المسألة ثقافية بالدرجة الأولى. فالقوانين عموما حررت المرأة ولكن كبلتها الثقافة المجتمعية.
 
وفيما يخص العنف في الشارع العام، فالناظر في وجوه أغلب المغاربة يدرك كم هم متأزمين وقلقين، وتتضح الصورة أكثر إذا كان هذا الملاحظ يقارن وجوه المغاربة وأحوالهم بفترات سابقة، حيث كانت الشخصية المغربية فيها تتسم بالطيبوبة والمرح والتفاؤل والإيثار، أما الآن فالصورة مختلفة كثيرا، حيث حلت القسوة والقلق والأنانية والانتهازية والرغبة في الكسب السريع على حساب الآخرين. أضف إلى ذلك العدوان السلبي المتمثل في اللامبالاة والتراخي والكسل وتعطيل مصالح المواطنين في الإدارات والسلبية المنتشرة حتى بين ما يسمى ب "المثقفين."
 
وتقف وراء ذلك عدة أسباب منها تراكم المشكلات يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وعاما بعد عام دون وجود حلول علمية وعملية حقيقية لها، والاكتفاء بالحلول الفردية المغشوشة والوهمية دون الدخول إلى جوهر المشكلات. فتراكم المشكلات الاجتماعية دون حلول يؤدى إلى حالة من التأزم والإحباط، والإحساس بالدونية، وفقدان الثقة في مختلف المؤسسات.
 
أما فيما يخص قيادة السيارات، لاسيما في المدن الكبرى فحدث ولا حرج، إذ سلوكيات السائقين في الشارع تؤكد أننا بالفعل نعاني من أزمة أخلاق فعلى سبيل المثال، فغالبية المغاربة، مثلا، يريدون أن يوقفوا سياراتهم أمام المقهى أو المخبزة أو الصيدلية مباشرة دون أي مراعاة لمشاعر الآخرين.. الأمر الذي يؤدي الى حدوث أزمة سير خانقة في الشارع العام. وإذا ما حاولت أن تنصح أحدهم لإيقاف سيارته بعيدا، فإنه لا يتقبل النصيحة وقد يعتبرها نوعا من الإهانة ليجدها ذريعة ومبررا للرد عليك بأسلوب غير لائق قد تصل أحيانا إلى السب والشتم لتتطور الحالة الى عنف كبير يجعل الفرد ينسلخ من انسانيته ليصبح شبيها بالحيوان، يسمح لنفسه الاعتداء بجميع الطرق حتى لو كانت نهايتها الهتك بحياة الاخرين المهم ان يرضي نفسه المريضة.
 
كل هذه المصائب والكوارث تحدث بيننا ونحن لا نتحرك. ويبدو أن المؤسسات في المغرب تهتم بالمقاولات أكثر من الإنسان، بدليل أن الجهات المسؤولة لا تناقش أسباب هذه ظواهر والسلوكيات، وأصبح المال والأعمال هي الشغل الشاغل للمسؤولين، رغم أن انفلات الشارع العام أخلاقيا ينعكس على كل شيء وسيدمر كل المجتمع في الأخير.
 
لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، المطلوب القيام ببرامج ثقافية وتربوية، بإحياء دور الشباب والنوادي الثقافية والفنية لتوعية الناس بخطورة العنف الذي يحدث ضد المرأة وفي الشارع العام وفي المدارس، من خلال القيام بحملات مستمرة داخل المدرسة والمسجد والإعلام ضد الآفة التي تنخر المجتمع المغربي.