الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

الصادق العثماني: المولد النبوي.. حوار مع صديقي السلفي

الصادق العثماني: المولد النبوي.. حوار مع صديقي السلفي الصادق العثماني
حاورني أحد الإخوة صبيحة اليوم على الخاص وقال لي كيف تبيح الاحتفال بعيد المولد النبوي وهو بدعة ما أنزل الله به من سلطان؟
فقلت له من قال لك بأن الاحتفال بمولد الهادي بدعة؟ وما هو مفهوم البدعة عندك؟ فقال لي البدعة هو كل شيء مستحدث ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلمت يقينا بأن نوعية هؤلاء القوم لهم جهل كبير بدين الإسلام وبمقاصده، كما أنهم لا يعرفون البدعة المحرمة التي تدخل في زيادة العبادات أو النقصان فيها وتزاحم العبادات التي نص عليها الشرع الحنيف، كالصلاة والصيام والحج والزكاة..
أما الأمور التي أحدثها المسلمون ولا تدخل في باب العبادات فهذه ليست بالبدعة المحرمة، ولهذا أهل الإسلام وعبر تاريخهم الطويل أحدثوا أمورا كثيرة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، كجمع القرآن الكريم وتنقيطه وإنشاء المحاريب التي في المساجد وتزيينها، وغير ذلك؛ لأن في ذلك مصلحة المسلمين، فباب المصلحة واسع في الدين الإسلامي؛ حتى جعلها العلماء مصدرا من مصادر التشريع وتسمى ب (المصالح المرسلة) .
إن المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أحدثوا أمورا كثيرة وعلى سبيل المثال عندنا في بعض القبائل المغربية يحتفلون بسلطان الطلبة الذي يعتبر الغرض منه التشجيع على حفظ القرآن، وحفلات ختم القرآن الكريم وكذلك حفلات ختم صحيح البخاري وغير ذلك، والاحتفالات بالأعياد الوطنية، فكل دولة دولة اليوم أصبحت تتفنن في ذلك، من أجل إدخال الفرح والسرور على أبناء البلد وربطهم بوطنهم ومحبتهم له، فهل تعتبر هذه الاحتفالات بالأعياد الوطنية بدع محرمة؟ لا أبدا، ليست ببدع محرمة؛ لأنها لا تدخل في أبواب العبادات، وهل نعتبر هذا حراما لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولم يحتفل بعيد وطنه ودولته الإسلامية؟ .
كما أن هناك مستحدثات كثيرة حصلت في الحرمين الشريفين وخصوصا في مسجد الله الحرام بمكة المكرمة، منها على سبيل المثال: توسعة الحرم مع توسعة المسعى وبناء الطوابق فيه، وفي الطواف وفي الرجم، وذلك كله من أجل مصلحة الحجاج الذي كان يذهب ضحية الازدحام العشرات من الحجاج كل سنة، وهذا ما حصل كذلك في المسجد النبوي بالمدينة المنورة من إدخال التكنولوجية الحديثة من أجهزة وإضاءة ونقل الصلاة عبر مكبرات الصوت وعبر الفضائيات سواء في بيت الله الحرام أو في المسجد النبوي؛ بالإضافة إلى حفر الأنفاق وبناء الجسور ، لم يعد حجاج بيت الله الحرام اليوم يمرون على ذاتها التي كان يمر عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن بعده من صحابته رضي الله عنهم أجمعين.
فهل نعتبر هذه الإصلاحات بدع ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها؟ فإن قال أحد من العلماء بحرمة هذه الإصلاحات في الحرمين الشرفين فهو خارج التاريخ، وخارج كذلك من دائرة أهل العلم، ولا يعد من العلماء أصلا.
وختاما، إن القائلين ببدعة الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، يغفلون -أو ربما يجهلون-بابا واسعا من أبواب الفقه الإسلامي يسمى ب (باب التروك) أي إن هناك أمورا كثيرة تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها، ولكنه لم يمنع المسلمين من فعلها.
والسلام على مقام الهادي الأمين الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وكل عام وأنتم بخير.
 
الصادق العثماني، باحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف الديني