الخميس 18 إبريل 2024
سياسة

الدين والسياسة على مائدة إفطار حزب النهضة والفضيلة بشاطئ السعيدية

الدين والسياسة على مائدة إفطار حزب  النهضة والفضيلة بشاطئ السعيدية

 

نظمت التنسيقية الإقليمية لحزب النهضة والفضيلة بوجدة إفطارا جماعيا بشاطئ السعيدية يوم السبت 19 يوليوز 2014 حضره مجموعة من مناضلي الحزب بالجهة الشرقية، وتميز الإفطار بتنظيم مائدة مستديرة ساهم في تأطيرها كل من الأستاذ بن يونس مرزوقي والأستاذ عبد الكريم فاضيل والأستاذ نورالدين زاوش، نوقشت فيها  الخطاب الديني وعلاقته بالمجال السياسي.

ومباشرة بعد عملية الإفطار افتتح الأستاذ عبد الكريم فاضيل المنسق الإقليمي للحزب بوجدة الجلسة بكلمة ترحيبية للمشاركين في الإفطار وكذا الضيوف من خارج الحزب، معتبرا أن هذه السنة التي سنها الحزب من كل شهر رمضان تعززت هذه السنة بتخصيص حيز زماني لمطارحة إحدى المواضيع الحساسة والشائكة في زمن يعرف فيه العالم الإسلامي والعربي مخاض صعب في ظل صراعات محتدمة بين ما هو سياسي وديني.

وأشار في معرض حديثه عن هذه الجدلية بين الدين والسياسة أن المرحلة تقتضي من العلماء والفقهاء الحقيقيين أن يتجاوزوا ذاك الخطاب الديني التقليدي المستهلك الذي يرتهن الفكر في دوائر مغلقة وذلك بالتجديد عبر العودة إلى روح الدين وجوهره، لأن الحاجة الآن تقتضي من هذا التجديد تقديم إجابات واضحة للراهن وتبيين الآفاق، مع تمكين المجتمعات الإسلامية من الآليات التي تقيهم من الفكر الدخيل، وتبعدهم عن الغلو والتطرف.

وقد أحيلت الكلمة بعد ذلك للأستاذ بن يونس المرزوقي، من كلية الحقوق بوجدة، الذي عالج بعض الجوانب من علاقة الدين بالسياسة. وقد انطلق في عرضه من طرح بعض جوانب الالتقاء بين الانظمة السياسية الكبرى والإسلام بصفة خاصة من قبيل استهداف العالمية (الرأسمالية العالمية، الاشتراكية الأممية، الدين العالمي)، واستعمال نفس الوسائل للوصول لهذا الغرض (العنف، العنف الثوري، الجهاد)، ولهذا فإن بعض المفاهيم الحديثة المرتبطة بالظاهرة السياسية ستكون بالضرورة محط اختلاف بين مختلف الفاعلين.

وفي هذا الصدد، أبرز الأستاذ المحاضر ثلاثة نماذج من هذه الاختلافات وقام بتحليلها سواء من زاوية "الإسلام السياسي" أو من زاوية بعض الفاعلين والمهتمين السياسيين. ويتعلق الأمر بمفهوم الدولة، والديمقراطية، والحزب السياسي. وهكذا فإن كل فهم معين يؤدي إلى ممارسة معينة.

وخلال هذه المداخلة، تم التطرق إلى معالجة الأحزاب السياسية "العربية/الإسلامية" إلى مكانة الدين في المجال السياسي، وإلى تهميشه لفترة طويلة، أدت إلى رد فعل مناقض تمثل في اعتماد الدين نفسه ليس كمرجعية فقط لدى بعض التوجهات، ولكن إلى التبني المباشر لمفهوم "الدولة الإسلامية" بما يقتضيه ذلك من استعمال للعنف ضد المجتمع.

وقد خلص السيد المحاضر إلى أن هذه الوضعية تستلزم المزيد من الحوار بين مختلف الفاعلين حول مكانة الدين في الحياة الاجتماعية، والمزيد من عقلنة القواعد القانونية، ثم فتح نقاش مجتمعي واسع حول حقوق وواجبات الشعوب الإسلامية من جهة، والأمة الإسلامية من جهة أخرى.

فيما عالج الأستاذ زاوش إشكالية الدين والسياسة على المستوى النظري من خلال استقراء النصوص الشرعية في الموضوع، من جهة، ومن جهة أخرى، من خلال دراسة البناء النظري الذي تقوم عليه مفاهيم السياسة، ومن خلال أطروحات تعريفاتها لمجموع القضايا المرتبطة بها، حيث إنه ليس من العسير أن نخلص إلى أن مضمون الفعل السياسي، بغض النظر عن شكله الذي لم يخض فيه الشارع، يتناغم مع مجموع المبادئ والمقاصد التي أتى بها الشرع مجملا من غير تفصيل.

إلا أن الانتقال إلى المجال العملي، يستوجب البحث عن العنصر الفاعل والمحدد للعلاقة بين الدين والسياسة، وهو ما يجعلنا، شئنا أم أبينا، نخوض في حيثيات المتدين، ومدى شساعة الدائرة التي يتحرك في ثناياها، وكذا ظروف السياسي، ومدى تقبله لعنصر الدين في الممارسة السياسية، وهذا يجرنا، بلا تردد، لدراسة الحركات الإسلامية، وبرامجها، ومناهجها وطرق اشتغالها، لأنها المحدد الأول والأخير، لمدى إقحام الدين في الممارسة السياسية.

قبل ثلاثين سنة، بدأنا الاشتغال في كنف الحركة الإسلامية، وكنا نرى، آنذاك، أن الديمقراطية كفر، وأن من دخل البرلمان فقد دخل المسيحية، إلا أن فكرة العمل السياسي بعباءة الدين كانت تراودنا بين الفينة والأخرى، حتى اقتنع كبراؤنا بالفكرة، فأقنعونا بأن السياسة جزء من الدين، وبأنها وسيلة لحماية الدعوة، وآلية لإيجاد مجالات جديدة وخصبة لتوسعها، فاقتحمنا العمل السياسي على هذا الأساس.

إلا أن الكارثة العظيمة قد حلت بنا حينما أمسكنا بمقاليد الحكم، لا أقصد كأشخاص أو كأحزاب، ولكن كفكرة، فالفكرة الإسلامية التي طالما آمنا بها تتربع اليوم على كرسي الحكم، والحركة الإسلامية التي طالما ناصرناها تقود الحكومة، فحينما ننتقد حزب العدالة والتنمية، مثلا، فنحن في الحقيقة ننتقد أنفسنا، ليس لأننا من الحزب الحاكم، ولكن لأن مرجعية الحزب الحاكم هي نفسها مرجعيتنا.

وتتجلى أزمة الخطاب الديني في المجال السياسي بشكل جلي وصارخ، حينما صرح السيد رئيس الحكومة لقناة أردنية بأن الدولة الإسلامية مجرد خزعبلة، وهو ما صرح به رئيس فريقه البرلماني السيد بوانو، كما صرح السيد بابا الكاتب العام لشبيبة العدالة والتنمية في لقاء تلفزيوني، بأنهم لم يأتوا للحكومة لتطبيق الشريعة وإنما لتطبيق الدستور.

السؤال المحوري الذي يفرض نفسه بقوة، هو لماذا أخذت الحركة الإسلامية كل هذا العناء على نفسها، وغامرت كل هذه المغامرة الخطيرة بولوجها للمعترك السياسي، وحينما وصلنا إلى الحكم فنحن لا نقوم بنفس ما تقوم به باقي الأحزاب، كيفما كانت ألوانها أو أشكالها؟ أم ليكن حريا بنا أن نشتغل في مجالات أخرى مادمنا لن نقوم إلا بما يقوم به الآخرون؟

للأسف الشديد، فقد ولجنا العمل السياسي لحماية الدعوة، لكننا، وفي منعطف بئيس من منعرجات السياسة الهوجاء، فقدنا البوصلة وصارت الدعوة هي من تحمينا وليس العكس.

وفي الأخير أريد أن أشير لخطر داهم يهدد المغرب وهو خطر "داعش"، فقد نبه وزير الداخلية لهذا الأمر، وأظنه تهديدا حقيقيا، لأن مفاهيم الخلافة قد تغلغلت في صفوف شرائح واسعة في المجتمع، من خلال برامج بعض الجماعات الإسلامية، والتي كانت ترُكز على حديث الخلافة المذكور في مسند أحمد، وأخشى أن يكون من بين المغاربة الذين تشبعوا بهذا الفكر من يبايع "أبو بكر البغدادي" سرا، رغم أن كثيرا من العلماء قد أكدوا أن المقصود بهذه الخلافة على منهاج النبوة هي خلافة عمر بن عبد العزيز، لتوفرها على جميع أركان الخلافة، من البيعة الشرعية إلى العدل إلى تطبيق الشريعة في أدق تفصيلاتها.

لهذا أطلب من أعضاء الحزب أن يتوخوا الحيطة والحذر في الموضوع، فالأمر لا يحتمل الاستهتار أو التهوين.