الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
خارج الحدود

الشرطة الفرنسية فقدت الثقة في ماكرون

الشرطة الفرنسية فقدت الثقة في ماكرون الأمن الفرنسي ينقلب على ٍإيمانويل ماكرون
أدت أعمال الشغب في فرنسا التي اندلعت عقب مقتل مراهق في السابعة عشرة من عمره على يد شرطي إلى توتر العلاقة بين رئيس البلاد، إيمانويل ماكرون، وبين سلطات إنفاذ القانون في بلاده والتي اعتبر بعض مسؤوليها أن تصريحات قاطن قصر الإليزيه قد أدت إضعاف "نظام العدالة في البلاد" وقدرته على على العمل بشكل مستقل بعيدا عن حسابات السياسة والمصالح. 
وكان ماكرون قد توجه إلى مركز للشرطة في باريس، لتقديم الشكر للضباط المنتشرين لقمع أعمال الشغب، ولكنه إذا كان يتوقع أن تخفف الزيارة من حدة التوترات الأخيرة مع سلطات إنفاذ القانون، فمن المحتمل أنه أصيب بخيبة أمل، وفقا لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
وبحسب مراقبين، فقد كان العديد من ضباط الشرطة غير سعداء بتصريحات ماكرون التي أطلقها عقب انتشار مقطع مصور يوثق حادثة إطلاق النار على الفتى، نائل، والتي قال فيها إن مصرع ذلك المراهق هو  أمر "لا يمكن تفسيره ولا يغتفر"، وذلك في وقت كانت لا تزال التحقيقات الرسمية بشأن الحادث جارية.
وقال غريغوري غورون، الذي يرأس (فورس أوفريير)، وهي ثاني أكبر نقابة عمالية في الشرطة: "لقد فقدت الشرطة اليوم الثقة تمامًا في الرئيس". 
وأضاف غورون في مقابلة صحفية: "لقد أدى (كلام ماكرون) إلى تآكل قدرة نظام العدالة على العمل بشكل مستقل". 
"جحافل المتوحشين" 
ووفقا لبعض التحليلات فإن تصريحات ماكرون كانت خطوة محفوفة بالمخاطر، فجهاز الشرطة يعد أحد أقوى المؤسسات في فرنسا، وبالتالي فإن السلطات بحاجة إليه على الدوام لنزع فتيل الغضب والاحتجاجات في الشوارع، والتي اعتادت البلاد أن تشهدها في العديد من المناسبات. 
وردا على مواقف الرئيس الفرنسي، فقد اتخذت الشرطة نفسها مواقف أكثر تطرفاً من أي وقت مضى، إذ أصدرت أكبر نقابتين لهما بيانًا ناريا هذا الأسبوع، قالتا فيه إن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات أقوى لمحاربة "جحافل المتوحشين" و"الآفات" الناجمة عن أعمال الشغب والمتسببين فيها.
وأضاف البيان مرددا أصداء تصريحات صدرت عن أحزاب أقصى البيان: "الشرطة اليوم في معركة لأننا في حالة حرب". 
ولطالما كان انتقاد سلطات إنفاذ القانون من المحرمات في أوساط الطبقة السياسية بسبب الدور الذي تلعبه في الرد على العديد من الهجمات الإرهابية منذ العام 2015، فضلاً عن فترات الاضطرابات الاجتماعية الأخرى لاسيما التي شهدتها ولايتي ماكرون الماضية والحالية مثل احتجاجات "الستر الصفراء" والاحتجاجات على تعديلات نظام التقاعد في البلاد. 
وكانت حكومة ماكرون قد وسعت من صلاحيات الشرطة، بما في ذلك زيادة استخدام الطائرات بدون طيار وكاميرات المراقبة والسماح بتتبع أوثق للمساجد التي يشتبه في أنها تأوي متطرفين. 
قال مسؤول حكومي: "كان الرئيس دائما داعما لإنفاذ القانون"، مضيفًا أن ميزانية الشرطة قد زادت أيضًا.
مع ذلك، شكك السياسيون اليساريون والجماعات والمؤسسات الحقوقية مثل مجلس أوروبا في تكتيكات الشرطة الفرنسية وثقافتها.
وفي وقت سابق من هذا العام، وأثثاء الاحتجاجات على إصلاح نظام التقاعد، حث مسؤول في الأمم المتحدة الشرطة الفرنسية على تجنب "القوة المفرطة"، كما هاجمت منظمة مراقبة حقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأوروبي الحملة.
ولتفريق الحشود والسيطرة على الاحتجاجات، تعتمد الشرطة الفرنسية على الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية وما يسمى ببنادق LBD، التي تطلق الرصاص المطاطي, وهي تكتيكات يصفها نشطاء حقوقيون بأنها شديدة العنف.
كما تلقت الشرطة الفرنسية وابلا آخر من الانتقادات بعد مقتل نائل مرزوق الذي تنحدر أصوله من شمال أفريقيا. 
وقالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، في مؤتمر صحفي في جنيف: "هذه لحظة فارقة للبلاد لمعالجة القضايا العميقة للعنصرية والتمييز العرقي خلال عمليات إنفاذ القانون".
من جانب آخر، تركز الجدل الأخير أيضا على قانون صدر في العام 2017 الذي وسع الظروف التي يمكن لشرطة المرور بموجبها استخدام القوة المميتة لإطلاق النار على سائقي السيارات الفارين. 
ولطالما مارست نقابات الشرطة ضغوطا من أجل التغيير، لكن في ذلك الوقت حذرت هيئة المدافع عن الحقوق، وهي هيئة إدارية مستقلة، من أن ذلك سيجعل القواعد أكثر إرباكًا. 
ودعا تحالف "النوبيين اليساريين" في البرلمان الفرنسي إلى إلغاء فوري للقانون الذي اتهم الشرطة بتفسيره على أنه "رخصة للقتل". 
وفي الوقت الحالي، لا يبدو أن مثل هذه الاستجابة السياسية مطروحة على الورق. 
ووصفت حكومة ماكرون مقتل مرزوق، الذي قال ممثلو الادعاء إنه كان يقود سيارته بدون رخصة وارتكب مخالفات مرورية بأنه حادث منعزل وليست واقعة عنصرية.
لكن في خطوة نادرة، جرى اعتقال الضابط المتورط في إطلاق النار وتم توجيه تهم أولية ضده بـ"القتل العمد". 
ويقول العديد من الشباب العرب والسود الذين يعيشون في الضواحي ذات الدخل المنخفض إنهم يواجهون تمييزًا من قبل الشرطة. 
ووجد تقرير نشر في العام 2017 أن الشباب من خلفيات الأقليات كانوا أكثر عرضة 20 مرة للتوقيف من أجل التحقق من الهوية من بقية السكان في البلاد. 
ورغم كل ما ذكر آنفا، لم يتضاءل الدعم الشعبي للشرطة،  فقد أظهر استطلاع حديث أن 71 في المائة يعربون عن ثقتهم في الشرطة، وذلك رغم التأييد القليل من الشباب وبعض جماعات اليسار في فرنسا.