منذ أيام وفي مطار رفيق الحريري الدولي وبينما يراجع ضابط الأمن جواز سفري رفع عينه وقال لي :إنت مصري ولا مغربي؟ جواز السفر لا يوضح، فالجواز مصري، ولكنه مليء بتأشيرات الدخول إلى المغرب.
بدأت علاقتي بالمغرب منذ زمن طويل، طالما قرأت عنه وتحمست لزيارته قبل أن أعمل صحفيا، وعندما دخلت بلاط صاحبة الجلالة كان حلمي هو زيارة المغرب.. وهو حلم على قدر ما كنت أراه وقتها بعيدا، إلا أنني كنت واثق في تحقيقه، حتى واتتني الفرصة عام 2009 وزرت المغرب للمرة الأولى.. كانت زيارتي للرباط، وتوالت الزيارات بعد ذلك لأذوب أكثر في ثقافة المغرب وأدور بين مدنة في رحلات خاصة يزيد فيها حبي له ولأهله.
في العام قبل الماضي شعرت أنني أريد أن أعرف أكثر عن بلدي المغرب، فسافرت في رحلة من أقصاه إلى أقصاه، بدأت بالدار البيضاء ثم مراكش ومنها إلى الجانب الآخر – في رحلة استمرت عشر ساعات- حيث عروس الشمال التي أسرت قلبي ووجداني بشوارعها ومبانيها وأهلها، طنجة الجميلة العالية، والتي يجرفني حنين لها من وقت لآخر، حنين أن أعود لأتجول في شارع محمد الخامس، وأجلس في المقهى المقابل لفندق رامبراند، ثم أسير في الشارع الضيق المجاور للفندق حتى أصل للبحر، فأملأ صدري بهوائها، بعد طنجة زرت تطوان، كم من كلمات العشق يمكن أن تقال في تطوان؟؟ ومنها أكملت رحلتي حتى سبته مارا بمارتيل والفيندق.
عدت بعد ذلك إلى الرباط الحبيبة، أحفظ شوارعها كما أحفظ شوارع القاهرة، ولي ذكريات لا تنسى في شارع فرنسا ومقاهي أكدال والمطاعم الصغيرة في المدينة العتيقة وكثيرا ما جلست في "لاكوميدي" مع اصدقائي لتناول كوب من عصير البرتقال، في المغرب برتقال لن تجده في أي بلد أخر، منها تحركت نحو فاس وفي المساء أكملت الطريق نحو وجهتي الرئيسية، إفران، أو سويسرا الشرق كما سماها الملك الحسن الثاني، لأعود مرة أخرى إلى الدار البيضاء بعد ليلة في الصقيع ونهار في التزحلق على الجليد، شوارع وسط الدار البيضاء تشبه شوارع وسط القاهرة إلى حد مذهل، نفس الوجوه ونفس البنايات ونفس الأسواق ونفس البضائع ونفس الزحام.. شعرت أنني إذا أكملت الطريق ثم عرجت إلى اليمين سأجد منزلي دون الحاجة إلى الطائرة.. في رحلتي تلك تعلمت من المغاربة أن قلوب الناس هي التي تحمل المعالم الحقيقة، وأنك إذا أسلمت نفسك لها استطعت أن تكتشف كل شيء، بينما إذا بحثت عن الحجر لن تكسب أكثر من صورة مسطحة بلا أي ذكرى، خرجت من الرحلة وأنا عندي أهل في كل مكان في المغرب، ليسوا اصدقاء، وإنما أهل في وطن أحمل له كل الحب وكل الاشتياق.
تعددت زياراتي للمغرب بعد هذه الرحلة، زرتها أحدى عشرة مرة، ومازلت أحتاج للمزيد، مازال حنيني إلى "طنجة" لا يخفت، ومازالت أرى أن الجلوس لتأمل البحر من أمام قصر الريسوني في "أصيلة" فرصة لا تعوض، وأن تناول الغذاء في "الكموني" على طريق الرباط – فاس أكلة لا يمكن نسيانها، وأن الطاجين عند "بجغني" في "جيليز" بمراكش يحتاج لكتب تشرحه، وأن شارع محمد الخامس في "طنجة" لا يمكن الملل منه ولابد أن تخطف دقائق من وقتك حتى لا تفوتك فرصة تناول ساندوتش عند "أميجو" الموجود أمام سينما روكسي، كما مازلت أحلم بزيارة "وادي مشليفن" في افران من جديد والتجول في شوارع الرباط النظيفة المنظمة التي تشعرني بالفخر.
المغرب بالفعل أرض السحر، ولكنه سحر الطبيعة في جبال "تطوان" وبحر "مارتيل" والغابات المحيطة بالرباط ومباني "مراكش" الحمراء وقمة "أوكايمدن" البضاء والبحيرة الموجودة على قمتها، وقبل كل هذا في أهله، المغربي إذا غضب منك قال "الله يرحم والديك"، وإذا تحدث معك بدأ كلامه بتمنى الصحة..
ما حدث من إعلامية غير مسئولة لا يمثل أي مصري، لا يمثل إلى غباء ما قالته، لا تلتفوا لها، بالمغرب أكبر بكثير من تصريحات لشخص لم يعرفه أحد إلا عندما سخر منه شخص آخر، لا قيمة له، لا تأثير، لا حضور، لا جمهور، أقدر غضبكم فقد غضبت مثله، لا أقبل من أي فرد كان أن يتفوه بكلمه واحدة على بلدي، ولكن "الله يرحم والديكم"، لا داعي لرد اساءة شخص بالإساءة إلى وطن، حملات الكراهية التي رأيتها على مواقع التواصل الاجتماعي هالتني، لا داعي لها، لا أجد لها مبررا، مصر لم تخطئ في المغرب.. العلاقات المصرية المغربية متجزرة في التاريخ ، مصالحنا واحدة ووطننا واحد، ما بيننا أكبر من تصريحات لشخصية جاهلة غير مسئولة.
خليونا ننسى هادشي للي وقع، ونساو هاد المشاكل، للي قاصت الشعب المغربي بحالا قاصتنا، حينت انتم أهلنا، وقريبا غادين ننساو داكشي للي قالوا هاديك للي ما تسماش، وما غادين نتفكروا غير أننا أهل وأننا كنبغيوكم بزاف، وهادشي للي واقع راه ما كيرضي غير الأعداء ديالنا وللي ماباغينش الخير للشعوب ديالنا.. والله يرحم الواليدين.
عن موقع "شباب الأهرام"