الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

يخلف: فساد المال العمومي بالمغرب

يخلف: فساد المال العمومي بالمغرب مصطفى يخلف
عندما نتحدّث عن الفساد المالي في المغرب، فإننا نكون مواجهين بأسئلة الحكامة، ومنها مبدأي ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.
لقد تفاءلنا خيرا بالمستجدّات الدّستورية، واعتقدنا على أن المغرب سيتحول فيه تدبير المالية العمومية من الطريقة المعمول بها قبل دستور 2011 إلى تنزيل آليات الحكامة بعد الإستفتاء الشعبي على الدستور، استعدادا للانخراط في الألفية الثالثة بشكل تعاوني ما بين المؤسسات العمومية والمنتخبين خدمة للمواطنين والمجتمع وتحت رقابة القانون، وبشكل متساوي دون تمييز بين الأفراد والمؤسسات وفق ما هو منصوص عليه بالديباجة والفصل 6 من الدستور.  
لكن الواقع الذي لا يرتفع ورغم الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، الذي استمر لأزيد من 14 شهرا، وعرف نقاشا مجتمعيا وقطاعيا وانفتاحا على التجارب المقارنة ليخلص لتشخيص مرير، مدخله الخلل على مجموعة من المستويات منها القوانين المتنافرة وغير المتناغمة وغير المحينة، والبنية التحتية للمحاكم التي بحاجة إلى إصلاحات فورية وجبارة، والنجاعة القضائية التي ظلت مجرد شعار لم يحقق الغاية، بدليل بطء البت في الملفات وعدم الحصول على رضا المتقاضين، مما جعل الأمل للخروج من الوضعية غير المرضية لحال العدالة المغربية طموحا يستحق النضال والتعاون، خصوصا وأن هذا الورش انطلق بإشراف ملكي بداية ونهاية.
لكن، هل يكفي أن يكون لدينا هذا الطموح وهذا التمني؟
لأن الواقع أثبت أننا بعيدون كل البعد للوصول للاطمئنان القانوني والقضائي وفق ما تم تقريره دستوريا، خصوصا فيما يتعلق بتدبير وحماية المال العام من الفساد والصرف غير المبرر، بدليل أن العديد من الملفات التي تتعلق بفساد التدبير للمالية العمومية ظلت مجرد فرقعات إعلامية، لم يتم الحسم فيها، رغم وجود المجالس الجهوية للحسابات الذي يفترض أن تكون آلية من آليات الرقابة، أثناء أو بعد كل تدبير مالي عمومي، وبشكل معلن للمواطنين وكافة المؤسسات ذات الاختصاص للمواكبة وتصحيح واستدراك الأخطاء وانزلاقات تدبير الأمور العمومية. 
فالتعامل مع الفساد المرتبط بالأموال العمومية يجب أن يخضع لإجراءات مسطرية صارمة وسريعة وفعالة، حتى وإن كان يتعلق فقط بالشبهة وليس تحقق الفعل المادي الواضح، الذي يرقى إلى حالة تلبس، لأن التعامل ببطئ وبنوع من التمييز السلبي يحيل إلى خلق إشكاليات لدى المواطنين بخصوص الجدية والمصداقية والرغبة في التخليق والإصلاح، ويعطي الانطباع بأن المال العام مال سائب بدون رقابة، بدليل أن بعض الأفراد المعروفين بالمجتمع بمستواهم المادي والإجتماعي البسيط قبل تسييرهم المالية العمومية، تحوّلوا بين سنة وأخرى إلى أثرياء ورموز المجتمع من حيث البذخ المالي، وهو ما يجعلنا نطرح بعض الأسئلة المؤرقة من قبيل: 
أين هي أجهزة الرّقابة بمختلف أشكالها؟
متى سيتم تفعيل سؤال المجتمع من أين لك بهذا المال؟
وماذا عن الإجراءات القانونية الكفيلة بمحاربة الرّيع المالي؟
وهل المغرب ليست لديه القدرة على وضع آليات لمكافحة الفساد بشكل صارم وعادل وفعال؟ 
يتوفر المغرب على مؤسسة مهمة وهي الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الفساد، ولدينا الرّقم الأخضر للوقاية من الرّشوة والابتزاز والتبليغ عنهما، بالإضافة إلى الإرادة السياسية والرغبة الأكيدة في تطوير الرقابة المخصصة للمال العمومي من خلال إحداث محاكم متخصصة الإدارية التجارية والمالية. 
لكن الإشكال الحقيقي، هل يكفي أن يكون لدينا نظام قضائي متخصص يبعث على الإطمئنان بشكل عام وقوانين متفرعة ومتشعبة تصب في خانة الشفافية والتخليق؟ أم وجب علينا الإبداع والتفكير في وضع شروط وإجراءات إدارية وقانونية لإقصاء كل من لديهم شبهة أو سوابق في فساد المالية العمومية؟ لأنه كيف يعقل أن نمنحه فرصة للوصول إلى عدد من المؤسسات العمومية وتدبير ماليتها؟ ونحن على علم مسبق بافتقاره للنزاهة ونظافة اليد والسمعة الحسنة؟
المغرب بحاجة فقط لتطبيق مبادئ الحكامة المالية في القطاع العمومي، وهي بسيطة، في حالة ما تم تطبيق آليات الرقابة نهاية كل سنة مالية عن طريق إجراء افتحاص مالي أولي للتحقق من الصرف المتوازن أو الصرف الفاسد؟ 
فمسألة الكفاءة لازالت حاضرة من حيث الطرح ومعايير اختيار الأشخاص المسندة لهم فرصة تدبير الأموال العمومية، لأن العنصر البشري هو الرأسمال غير المادي، وعقدة ومفتاح الحل، وهو ما يقتضي ربط المسؤولية بالتّخليق وتوظيف المدرسة والكلّية والإعلام والجمعيات.. توظيفا مفيدا قد يساهم لتقليص مؤشرات الفساد كنقطة سوداء في المجتمع. 
لذا فإن الحكامة في المالية العمومية تقتضي إخراج مجلس الدولة للوجود القضائي ليكون مستقلا عن محكمة النقض، إلى جانب المجلس الأعلى للحسابات الذي ينبغي أن يمارس دوره بشكل آني وفوري وطوعي ومن تلقاء نفسه، لأن الأحكام التي تصدر ابتدائيا واستئنافيا في المادة الإدارية، وبعد أن تصل لمحكمة النقض ويصدر بشأنها قرار بالرفض ليتفاجأ المتقاضي بقبول الطعن بإعادة النظر المقدم من طرف الإدارة ونقض القرار الإستئنافي، وإرجاع الأطراف إلى نقطة البداية من جديد، مع تسجيل أن طلبات المتقاضين المتعلقة بإعادة النظر المقدمة ضد المؤسسات والإدارات العمومية تجابه بعدم القبول أو رفض الطلب، وهو ما يجعل الفصل 6 من الدستور محطة مساءلة بخصوص مبدأ المساواة ما بين الأفراد والمؤسسات، ويجعل من ربط تدبير المالية العمومية ومحاربة الفساد محطة تطبيق نفس السؤال الإنكاري.
 

ذ. مصطفى يخلف/محامي بهيئة أكادير