السبت 4 مايو 2024
اقتصاد

عبد الوهاب زايد: جائزة خليفة ردت الاعتبار لصنف المجهول في التمر وصححت الاسم الأصلي للصنف المغربي

عبد الوهاب زايد: جائزة خليفة ردت الاعتبار لصنف المجهول في التمر وصححت الاسم الأصلي للصنف المغربي الدكتور عبد الوهاب زايد

يكشف الدكتور عبد الوهاب زايد، أمين عام جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، عن "مفاتيح الإمارات العربية المتحدة لتصدر المراكز الأولى عالميا في احتضان رعاية نخيل التمر، وكتابه المجهول درة التمور وخباياه".

ويوضح الدكتور زايد، في حوار مع "أنفاس بريس"، ما الذي يجعل الدول العربية تهتم وتشجع على إنتاج التمور وتسويقها بما يذكي تنافسية الغلال ويحقق الجودة المطلوبة، بعدما صار الاهتمام بالتمور، مؤخرا، جزءا من منظومة الأمن الغذائي في بلداننا العربية وتوجها مستقبليا لا محيد عنه".

وفيما يلي نص الحوار:

 

تعد دولة الإمارات من الدول الأولى عالمياً في احتضان رعاية نخيل التمر، ما هو السبب الذي جعلها تضع نخيل التمر في أجندتها العمومية بدل منتوجات زراعية أخرى، وما هي القيمة المضافة التي حملتها للمجتمع الدولي في هذا المجال؟

حظيت شجرة نخيل التمر باهتمام خاصة من القيادة الرشيدة بدولة الإمارات العربية المتحدة منذ زمن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات وراعي نهضتها الزراعية، واستمر اهتمام أصحاب السمو شيوخ الامارات على نهج زايد في دعم وتنمية قطاع زراعة النخيل وإنتاج وتصنيع التمور، لما لهذا القطاع من أهمية استراتيجية في تعزيز الأمن الغذائي وتنمية الاقتصاد الوطني، ودعم التنوع البيولوجي، فالشجرة المباركة تمثل لأبناء الإمارات إرثاً تاريخياً واجتماعياً ومردوداً اقتصادياً رافقتهم في أصعب الظروف وكانت لهم الطعام والمأوى والسند حلهم وترحالهم، حتى باتت دولة الإمارات بين الدول الأولى في زراعة وإنتاج وتصنيع وتصدير التمور بالعالم، وتبوأت موقعاً ريادياً بفضل توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، ودعم سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير ديوان الرئاسة، ومتابعة الشيخ نهيان مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، رئيس مجلس أمناء جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، حيث شهدت الدول المنتجة للتمور سلسلة من المهرجانات الدولية للتمور نظمتها الأمانة العامة للجائزة بالتعاون مع الوزارات المعنية في كل دولة، هذه المهرجانات ساهمت في التعريف بالتمور العربية على وجه الخصوص وزيادة الطلب عليها في الأسواق المحلية والدولية، وزيادة الاستثمار في قطاع الصناعات الغذائية المعتمدة على التمور، فالمهرجانات -بصفتها قاطرة تنموية- ساهمت في ايقاظ الوعي من جديد حول الأهمية الاقتصادية للتمور والدور الذي يمكن أن تلعبه في معادلة الأمن الغذائي على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.

أصدرت الأمانة العامة لجائزة خليفة لنخيل التمر كتاب"المجهول درة التمور"، وتم الاحتفاء بهذا الكتاب وكأنه "إنجيل التمور". ما هي الاعتبارات التي تجعل المجهول يخطف الزعامة علماً أن هناك أصنافاً من التمور أكثر رواجاً وأكثر شهرة؟

صنف المجهول حظي باهتمام عالمي خاص، لم يحظى به أي صنف آخر من التمور حيث يعتبر صنف المجهول من أهم أصناف التمور في العالم، لدرجة بات يسمى /دُرَّةُ التمور/ و/لؤلؤة التمور/ وغيرها من الأسماء. كانت تمور المجهول هي التصدير الرئيسي من منطقة تافيلالت بالمملكة المغربية، ويعود تاريخها إلى القرن السابع عشر، عندما تم بيعها في علب هدايا فاخرة أيام احتفالات رأس السنة الميلادية في باريس ومدريد ولندن.

وفي العقد الأخير، بدأنا نسمع ونرى في الأسواق الدولية بما فيها السوق المغربي للتمور أسماء لصنف المجهول، فقد حيكت حوله الكثير من القصص والحكايات لدرجة بتنا نرى ونسمع أن كثيراً من الدول قد تبنت هذا الصنف ونسبته لنفسها أو لغيرها (مجهول امريكي، مجهول إسرائيلي، مجهول أردني) بدون أي دليل علمي يوثق أصل هذا الصنف، كما وجدنا أن هناك مشكل آخر ألا وهو ظهور أسماء تجارية مختلفة لصنف المجهول مثل (مدجول، مجول، مدجهل... وغيرها).

وتقديراً لهذا الصنف الهام من التمور، قامت الأمانة العامة لجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، بالعمل على إنتاج كتاب علمي متخصص بعنوان "صنف المجهول: دُرَّةُ التمور، المنشأ، التوزيع والسوق الدولي".

يعتبر هذا الكتاب نقلة نوعية في توثيق أصل هذا الصنف المميز من التمور على مستوى العالم، يطمح إلى تسليط الضوء على أهمية تنوع تمر "المجهول"، سواء في بلدان منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط (MENA)، وكذلك في بقية العالم الزراعي الجديد، حيث ساهم الكتاب في دحض الشائعات التي راجت حول أصل هذا الصنف نظراً لانتشار صيته وميزاته الفريدة وارتفاع ثمنه عن باقي تمور العالم، كما ساهم في تصحيح الأسماء الخائطة المتداولة لهذا الصنف في حين ركزنا في الكتاب على الاسم الصحيح للصنف ألا وهو (مجهول) بعيداً عن الأسماء الخاطئة التي راجت مع هذا الصنف حول العالم. والحمد لله نحن الآن بدأنا بحملة دولية لتصحيح الاسم (مجهول) وهو الاسم الأصلي للصنف المغربي.

يصف هذا الكتاب ويعرض مزارع المجهول الشاسعة في العديد من البلدان، مثل: المملكة المغربية (دولة المنشأ)، الإمارات العربية المتحدة، جمهورية مصر العربية، المملكة الأردنية الهاشمية، دولة فلسطين، دولة إسرائيل، الولايات المتحدة الأمريكية، الولايات المتحدة المكسيكية، الجمهورية الإسلامية الموريتانية، جمهورية جنوب إفريقيا، جمهورية السودان، جمهورية ناميبيا، استراليا، وجمهورية الهند.

بالإضافة إلى ذلك، يتناول الكتاب أيضاً العديد من الموضوعات المهمة، حيث يُسَلِّطُ الضوء على المعايير التسويقية لصنف المجهول، وتسويقه الإقليمي والدولي، فضلاً عن أهمية المجهول في استراتيجيات نخيل التمر في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والأثر المتوقع لهذه الاستراتيجية على التمر وتسويقه إقليمياً ودولياً.

هناك مفارقة تتجلى في أن التمر لصيق بمخيلة العالم العربي وبالبيئة الصحراوية والواحية العربية منذ قرون، لكن الملاحظ أن الدول المتحكمة في إنتاج الأنواع الجيدة والمهيمنة على السوق الدولية وعلى البحث العلمي هي أمريكا وإسرائيل وغيرها. لماذا؟

للوهلة الأولى تاريخياً هذا الكلام صحيح، إلا أن الواقع الحالي يثبت عكس ذلك، حيث نجد أن عدد من الدول العربية المنتجة للتمور باتت تمتلك القدرة على المنافسة الدولية سواء في مجال زراعة أو إنتاج أو تصنيع أو تصدير وتسويق التمور وفق أحدث الطرق، بل تفوقت على أمريكا وإسرائيل وغيرها في بعض التفاصيل، لكن مازال باب المنافسة عبارة عن طريق طويل ومفتوح للجميع، والعرب قادرون وقادمون لكي يتربعوا على عرش هذا القطاع خلال العقد القادم إن شاء الله. إن زراعة الأنسجة هو ابتكار مغربي تتبوأ في المملكة المغربية موقع الصدارة بين دول العالم في إنتاج فسائل نخيل نسيجية من ثمان مختبرات مغربية باستخدام أحدث الطرق التقنية وتحقق أفضل النتائج بالعالم. كما نجد أن صنف المجهول الأردني بات يشكل عنصر قوي لمنافسة تمور المجهول الامريكي والإسرائيلي بل والمغربي الأصل، بسبب الرعاية التي يحظى بها هذا القطاع من جهات الاختصاص في كل دولة وهكذا.

مؤخراً وقعت صحوة لدى الدول العربية بوجوب الاهتمام بزراعة نخيل التمر، لكن الملاحظ أن هذا الاهتمام انصب على الجانب التسويقي لقضم حصة مهمة في التجارة الدولية بدون مراعاة للإجهاد المائي الذي قد ينهك الفرشة المائية من جهة، دون الحرص على إنتاج كمية موجهة للأسواق المحلية تكون في متناول البسطاء في الدول المعنية من جهة ثانية. ما رأيك؟

في الاطار التقليدي للموضوع نجد هناك العالم القديم لزراعة النخيل يتمثل في دول شمال افريقيا والشرق الأوسط، والعالم الجديد يضم أمريكا واسرائيل وجنوب افريقيا وناميبيا والمكسيك وأستراليا، كما نجد أن جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي ممثلة بأمينها العام قد نجحت في التقريب بين العالمين من حيث أن العالم القديم لديه إرث تاريخي تقليدي في زراعة النخيل وإنتاج التمور، سواء من حيث النظم الزراعية والإنتاج والحصاد والصناعات المرافقة والتسويق وغيرها، إلى جانب أن العالم الجديد لديه الخبرات المتقدمة في هذا المجال بحيث تحصل الفائدة بين العالمين لرفع المستوى في هذا المجال، والحمد لله توفقنا والدليل على هذا نجد أن المملكة المغربية توسعت في زراعة النخيل وسوف يكون لديها حوالي 10 ملايين نخلة (من أصل نسيجي) بحلول عام 2030 ، وجمهورية مصر العربية سوف يكون لديها 5 ملايين نخلة، والعراق 4 ملايين وهكذا، كما أن الصحوة الزراعية بالدول العربية المنتجة للتمور التي أشرت إليها في سؤالك ساهمت فيها وبشكل كبير سلسلة المهرجانات الدولية للتمور التي تنظمها الأمانة العامة للجائزة بالتعاون مع الوزارات المعنية في ستة دول، حيث بلغت بمجمها أكثر من 42 مهرجان في كل من جمهورية مصر العربية، جمهورية السودان، المملكة الأردنية الهاشمية، الجمهورية الإسلامية الموريتانية، الولايات المتحدة المكسيكية، المملكة المغربية، ودولة الامارات العربية المتحدة، هذه السلسلة ساهمت في التعريف بالتمور العربية، وزيادة الطلب عليها في الأسواق الإقليمية والدولية.

ارتباطاً بالسؤال السابق، ظل استهلاك التمر مرتبطاً عند عموم العرب، بشهر رمضان فقط، هل فوائد التمر لا تكون إلا في هذا الشهر؟ ولماذا لم ترقى التمور إلى احتلال مكانة لائقة في المائدة العربية طوال شهور السنة؟

التمور مثلها مثل بقية العناصر الغذائية، يرتبط تناول كل عنصر وطريقة التناول والكمية المستهلكة وطريقة الاعداد والتقديم وغيرها بالثقافة الاستهلاكية للمجتمعات والشعوب، فشجرة نخيل التمر رافقت الانسان في الصحراء والواحات وفرت له قوت عيشه على مدى سنين وقرون مضت، باتت فيه النخلة جزءاً من حياته وثقافته ومصيره، كما كان للنخلة والتمور وقع خاص في الثقافة الدينية للإنسان بالمنطقة العربية، حيث ورد ذكرها في الكتب الدينية كافة، التوراة والانجيل والقرآن الكريم والسنة النبوية، مما أعطى للتمور أهمية خاصة ارتبط استهلاكها بشكل كبير خلال شهر رمضان المبارك، وهذا أمر طبيعي، إلا أن دائرة اهتمام المستهلك العربي بالتمور قد تعدت هذا الشهر وباتت سلعة على مائدة الطعام بشكل دائم (ولو بنسبة ضئيلة) إلا أن هذه النسبة ترتفع بشكل مستمر، مع زيادة الوعي وزيادة المنتجات الغذائية التي يدخل التمر في مكوناتها، وزيادة اهتمام الناس بالثقافة الغذائية الطبيعية، والمستقبل واعد جداً كي تأخذ التمور الموقع الذي تستحقه وتتربع على صدر المائدة وقائمة العناصر الغذائية الأكثر استهلاكاً بالعالم.

بحكم تجربتك كخبير دولي وكأستاذ جامعي واشتغلت بمنظمات دولية، ما الذي تقترحه كوصفة لكي تردم الدول العربية (غير الخليجية) تخلفها فيالبحث الزراعي عبر توظيف البحث العلمي لضمان أمنها الغذائي وسيادتها الاقتصادية؟

الدول العربية المنتجة للتمور تمتلك قدرة تنافسية ولديها فرص واعدة للاستثمار في زراعة وإنتاج وتصنيع وتصدير التمور، كما أدركت الدول العربية خلال العقد الأخير الأهمية الاستراتيجية للتمور وباتت لديها خطط قومية لتنمية وتطوير هذا القطاع، كما ساهمت الجائزة في اتاحة الفرصة لتنمية وتطوير البحث العلمي والابتكار الزراعي في هذا المجال عبر اتاحة الفرصة للتنافس على فئة البحوث والدراسات التي تمثل أعلى نسبة مشاركة بين فئات الجائزة على مستوى العالم، ما يؤكد أهمية البحث العلمي لضمان الأمن الغذائي للدول.