الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي:  مخاطر الفساد تغشى سماء الوطن

صافي الدين البدالي:  مخاطر الفساد تغشى سماء الوطن صافي الدين البدالي
إن الإرتباك الذي أصاب حكومة أخنوش هذه الأيام  بفعل ارتفاع أسعار المواد  الإستهلاكية بشكل غير مسبوق كان منتظرا ، لأنها تعهدت بأن تحمي الفساد و المفسدين منذ البداية  بسحبها مشروع تجريم الإثراء غيرالمشروع و تجميد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد . وكانت النتيجة هي انتشار مظاهر الفساد والرشوة حتى أصبحت هذه المظاهر تغشى سماء الوطن. هذه المظاهر التي شملت جميع القطاعات الحكومية وغير الحكومية  والقطاعات الخاصة، نتيجة  غياب استراتيجية وطنية حقيقية لمكافحة الفساد  وتجنب مخاطره التي مثلها كمثل النار التي تحرق كل شيء. فالحكومة لم تقدر خطورة آفة الفساد والرشوة وما تنطوي عليه هذه الآفة  من انعكاسات سلبية على جميع المستويات، الإقتصادية والإجتماعیة و الثقافية والإدارية و السياسية .
فعلى المستوى الإقتصادي،   لم يترك الفساد مجالا للتشجيع على الإستثمارمن أجل تنمية اقتصادية وطنية  صلبة .مما أدى إلى انكماش الاقتصاد المغربي وتراجع  نسبة نمو الناتج الداخلي الخام ليستقر في حدود نسبة   % 1,5  وهو مؤشر يدل على أن الحكومة استسلمت الى لوبيات الفساد وإلى الرغبة الذاتية في تحقيق المصالح الشخصية والإغتناء غير المشروع  على حساب مصلحة الوطن والشعب؛ وإنه في خضم انشغال وزراء الحكومة في ما ينفعهم ويضر البلاد،  اشتعلت نار الأسعار ، وتعددت سبل الإحتكار حتى شملت كل المواد الاستهلاكية من فواكه و خضر وحليب و مشتقاته  وايضا اللحوم الحمراء والدواجن و البيض .ولم تكن السلطات المسؤولة غائبة عن الوضع، بل تعرفه جيدا ، لأن الداخلية لا يخفى عليها شيء حتى في أعماق بحر الظلمات، لكن الفساد الإداري كان وراء غلاء المعيشة ، ولكن حينما  تعالت الأصوات منددة بالغلاء تحركت هذه السلطات للحد من بعض مظاهر الإحتكار، وليس من أجل القضاء على سياسة  الاحتكار،لأن أصحابه يشكلون قوة ضاغطة في البلاد. ومن هنا يبدو بأن الفساد الإداري كان ولا يزال يشكل خطرا على الإستقرار الإجتماعي وعلى تخليق الحياة  العامة . وتعتبر  اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بأن الفساد الإداري مدخل الرشوة و الغش والزبونية والإغتناء غيرالمشروع. مما يؤدي حتما إلى الإفلاس  الإقتصادي ،وإلى تفشي البطالة وهوما كشف عنه تقرير البنك الدولي سنة 2013 ، بأن الفساد هو "العدو الأول للشعب" مؤكدا على أن تخلف البلدان راجع إلى الفساد الإداري . وهو ما يجعل المغرب لا يستطيع  تحقيق التوازنات الإقتصادية و المالية إلا عبر الإقتراض  من البنك الدولي حيث ارتفعت هذه الديون إلى  21.71 مليار دولار في سنة 2022  وما يرتبط بتلك الديون من شروط التبعية  لاسترجاعها ، وهي شروط  تكون دائما تعاكس طموحات الشعب في ظل هيمنة لوبي الفساد  واقتصاد الريع و حماية القطاعات غيرالمهيكلة التي تستنزف طاقة البلاد  . 

 
إن الفساد هو الأصل في ارتفاع الأسعار وفي تفشي البطالة والجريمة وفي التخلف الإجتماعي .وقد كشفت الإتفاقية الأممية لمكافحة الفساد عن مخاطره  ومنها :        
*إعاقة النمو الإقتصادي وإهدارموارد الدولة وسوء استغلالها  الإستغلال الأمثل. وهذا الوضع يساهم في هروب الاستثمارات  الوطنية والأجنبية.    
*سوء الإنفاق العام لموارد الدولة عن طريق إهدارها فى المشاريع الكبرى، وهذا ما يؤثر سلبا على القطاعات الإجتماعية الهامة كالصحة والتعليم والخدمات الإجتماعية.     
* تدني كفاءة الإستثمارات العامة وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية  بفعل الرشاوي التي تدفع للتغاضي عن المواصفات القياسية المطلوبة.
 أما على الصعيد السياسي فإن الفساد يؤدي إلى إفشال الحكومة في تدبير الشأن العام و في الخطط التنموية المطلوبة مما يجعلها تعيش الإرتباك   الدائم ، ما لم تعمل على القطع مع ظاهرة الفساد و الرشوة و الإفلات من العقاب . ويتسبب الفساد في تشويه الدور المطلوب من الحكومة بشأن تنفيذ السياسة العامة للدولة وتحقيق مخططات  التنمية. و أكدت الاتفاقية على ان الفساد  السياسي يساهم في انهيار وضياع هيبة دولة القانون و المؤسسات بما يعدم ثقة الأفراد فيها.
 
وهو الوضع الذي يتزعزع معه الإستقرار الاجتماعي و يفشل كل الجهود من أجل تحقيق الديمقراطية الحقة على أرض الواقع.ومن تم فإن الفساد يضعف  كل جهود الإصلاح التي تعزز بناء الدولة الديمقراطية ويكرس إقصاء شرفاء البلاد من  الوصول الى المؤسسات التشريعية أو التنفيذية ،وهو ما يفقد الثقة في الدولة ويزيد من  حالة السخط بين أفراد المجتمع.