الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد الشفاج: الكرة و جدار الخوف

سعيد الشفاج: الكرة و جدار الخوف سعيد الشفاج
لم تعد الكرة المملوءة بالهواء مجرد لعبة جماعية بل أصبحت مخيالا  جماعيا للانتصار والفرح . انطلقت كؤوس العالم في القرن العشرين و بالضبط سنة 1930 أي أن الانسان قضى زهاء اثنين و تسعين عاما كي يبلور صورة عن معنى النصر والهزيمة ويرسخ لثقافة التعايش والسلام عن طريق صناعة نمط رياضي غزا العالم بأسره وامتلك قلوب الناس جميعا. 
هل تحولت الكرة إلى دين و عقيدة؟ ونحن نرى هرمون السعادة الغامر للمنتصر وكمية الأحزان للمنهزم.
لنعد إلى مربط الفرس وهو انتصار المنتخب المغربي على أقوى المدارس الكروية في العالم بالقارة الأوروبية و قدرته على تحدي التكتيكات الرياضية لمدربين عالميين وتكسير جدار الخوف الذي كان جاثما على قلوب الشعوب المتخلفة كرويا. 
النخبة المغربية أخرجت مليار مسلم وعربي و إفريقيا وبعض الدول الاخرى الصديقة والتي تتقاسم معنا أحاسيس الخوف القديم من أوربا وأمريكا.
لقد ترسبت بدواخلنا عقدة الهزيمة وحاول الغرب الاستعماري أن يكون شعورا جماعيا لدينا بأننا أقل أهمية في كافة الأصعدة ليس فقط في الرياضة.
و للأسف أن لوبيات الهزيمة بداخل الشعوب والتي تربطها روابط الولاء وعلى رأسها اللوبي الفرنكفوني سهل مأمورية المستعمر لذا أصيب المخيال الأوروبي المريض والمتغطرس بالاسهال و سعار الكراهية باستثناء نخبة متنورة في أوروبا (نموذج تصريحات المدرب الاسباني انيريكي واللاعب الأسطورة كريستيانو رونالدو).
المنتخب المغربي سهل على العالم العربي الخائف من مجرد انتصار رياضي وأدخله إلى دكة الكبار فخرجت الشعوب العربية بما فيها المجتمعات الإفريقية فرحة مبتهجة لأن المغرب فتح باب الأمل الكروي بل بوابة التقدم عامة.
المغرب انتصر لأنه كسر حاجز الخوف من الآخر عبر محطات مر منها وعبر إعداد قبلي واجتهاد جماعي والأهم هو اللعب من أجل فكرة ربما كادت تموت وهي فكرة الوطن.
وقد ظهر ذلك في القتالية المنقطعة النظير و الاعتماد على مفاهيم جديدة لا يمكن أن تقول كانت مدروسة من قبل بل إن العناية الإلهية ساهمت بقوة في بروزها وهي مفاهيم كالاعتماد على النوايا والتي تسمى بالاحساس الإيجابي و توقع الأفضل ثم مفهوم العائلة حيث لعب المدرب وليد الركراكي في صناعة لمة أسرية تستند على الدعم الأبوي وعلى حضور الأم كرمز ديني واجتماعي مقدس. 
ثم مفهوم الرجل الواحد و هو ما تجلى لكل المتابعين لمقابلات المنتخب لقد كان الإحدى عشر لاعبا عبارة عن رجل واحد ثم مفهوم تكتيكي محظ يسمى بالجدار العازل و هو كيف أنك تسجل هدفا وتتحول إلى جدار بشري صلب مسلح بالارادة و الشجاعة.
نعمة الكرة الآن أنها وحدت أمما مزقتها السياسة وعرت عن حقيقة سوف تفزع الغرب المتعجرف وتجعل النوم يهجر عينيه وهي أن الشعوب المقهورة في العالم العربي مازالت حية فسبحان من يحي العظام وهي رميم. 
غابت الفوارق والفرق و الملل وحضر المغرب في وجدان الكل بسبب أنه دمر أصنام  الغرب. 
يحق الآن لكل مقهور أن يرفع رأسه عاليا ويثق في إمكانياته و يحق للحاكمين الذين (باعوا الماتش) أن ينصتوا لشعوبهم قبل أن تبيعهم شعوبهم في أول مزاد علني قادم.
الكرة لم تعد تلك الساحرة بل غدت صوت المقهورين وصراخ الحالمين بالحرية بعيدا عن نظرة الغرب الدونية وبعيدا عن مشاعرنا بالضعف والدونية.مونديال قطر سيصبح مدرسة نتعلم فيها كم كنا أغبياء في تقديسنا للغرب.