يعيش المتدربون بالمعهد العالي الصناعي بعين بورجة في الدار البيضاء، التابع لمكتب التكوين المهني وانعاش وضعا تكوينيا يوصف بأنه خارج زمن المهن الحديثة، في ظل بنية تحتية متدهورة وغياب رؤية تربوية وتقنية قادرة على مواكبة حاجات التكوين الصناعي المعاصر.
القاعة المخصصة للإعلاميات تتوفر على أجهزة معطلة منذ مدة طويلة، وغير قابلة للإصلاح، تعود الى جيل تقني قديم لا يساير حتى أبسط المتطلبات البرمجية، مما يجعل أي ممارسة تطبيقية شبه مستحيلة، مما جعلها خارج الخدمة منذ زمن، ومكانها الحقيقي " متحف التقنيات " لا قاعة تكوين في معهد عمومي عال، في الوقت الذي يفترض أن يكون التكوين العملي محوريا في التخصصات التقنية، يتحول واقع التكوين داخل هذا المركز الى حصص نظرية مرهقة، تقدم للمتدربين كما لو أنهم في مدرج جامعي، وليسوا في مؤسسة من المفترض أن تهيئهم لسوق شغل يعتمد على المهارة والتجريب والابتكار.
ويزيد الوضع تعقيدا أن المتدربين يمضون ساعات طويلة داخل القاعات دون فواصل، حيث تمتد الحصص الى اربع ساعات متتالية،ط لنفس المادة، في ما يشبه اختبارا لقدرة التحمل أكثر منه برنامجا تكوينيا فعالا.
هذا الضغط الزمني يؤثر مباشرة على التركيز والاستيعاب، ويحول التكوين من فرصة للتطوير المهني الى تجربة مرهقة تستهلك طاقة المتدرب بدل ان تنميها.
ويعبر عدد من المتدربين عن استيائهم من غياب التتبع البيداغوجي وافتقاد المركز للتجهيزات والمعدات الضرورية بالقدر الكافي لممارسة تدربيبة منصفة وفعالة، مؤكدين أن التكوين يتم باللغة بدل الممارسة في كثير من المصوغات ، وأن البرامج لا تجد طريقها الى التطبيق داخل المختبرات، بل تبقى حاضرة فقط على السبورة.
وضع يثير علامات استفهام حول مدى التزام المكتب الوصي بضمان جودة التكوين داخل مؤسساته، خصوصا في سياق وطني يراهن على الكفاءات التقنية لدعم التنافسية الصناعية.
ويطرح هذا الواقع سؤالا أساسيا: كيف يمكن تخريج تقنيين متخصصين قادرين على الاندماج في سوق شغل سريع التطور، بأجهزة معطلة، أو غير حديثة ولا منوعة وفعالة وكافية، ومناهج لا تطبق على الأرض، وزمن بيداغوجي مرهق وغير منتج؟ ما يحدث في المعهد العالي الصناعي بعين بورجة لا يبدو حالة معزولة، بل نموذج لخلل بنيوي أوسع داخل منظومة التكوين المهني.
في هذا السياق يطالب المتدربون بتدخل عاجل يعيد الاعتبار لمؤسسات التكوين، عبر تجديد المعدات، وتنويع وتطوير أنماط وصيغ التكوين بالممارسة ، ومهننة المضامين، واعادة تنظيم الحصص بما يحقق النجاعة، إضافة الى فتح تحقيق داخلي حول أسباب هذا التراجع الحاد في البنية التقنية والبيداغوجية للمركز، مع مراقبة للحصص التي تحترم الإيقاع النفسي والتربوي والبيداغوجي للتكوين، بل تحرم المتدربين حتى من الاستراحة.
من دون إصلاح فعلي سيظل التكوين المهني ينتج شهادات بلا مهارات، ومتدربين بلا أدوات، ومؤسسات غير قادرة على مسايرة اقتصاد يتغير بسرعة.
خالد أخازي، كاتب وإعلامي مستقل