الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

ادريس الأندلسي: رجال الدولة  والآخرون في زمن هدر الزمن.. ما سر "الإملاءات الخارجية"

ادريس الأندلسي: رجال الدولة  والآخرون في زمن هدر الزمن.. ما سر "الإملاءات الخارجية" ادريس الأندلسي
يشعر الكثير من مواطني هذا البلد ذو التاريخ الممتد على آلاف السنين  والذي أسست فيه دولة منذ أكثر من ألف سنة، أن عقارب الساعة فيه تتراجع إلى الوراء. دولة بنت مؤسسات  وتركت آثار  وواجهت موجات متتالية مصدرها إمبراطوريات استعمارية. دولة سقى شهداء معارك تحريرها أرضها بالدماء  وكتب علماءها دواوين العلوم  والآداب  والمنطق  و الرياضيات. دولة نهضت منذ  1953 لتضرب في العمق خطط المستعمر  ويجمع شعبها على سنة 1955 على رجوع الشرعية إلى أصلها التاريخي. دولة عرفت صراعات بعد الاستقلال  وتم الحسم فيها بالعقل تارة  وبالعنف تارةأخرى. دولة أنجبت قيادات سياسية ونقابية وتربوية  واقتصادية تصادمت  وتلاحقت وتصالحت  وتصارعت ولكنها ظلت مغربية حتى النخاع. 
هذا ليس وقوفا على الأطلال "ببرقة تهمد" كما جاء في معلقة طرفة بن العبد.  إنه استذكار في زمن الإنكار لدور نبل السياسة في بناء الوطن. وقف وزير في الحكومة الحالية وهو الممسك بأمور المالية العمومية وأمور كرة القدم ليقول لممثلي الأمة أن من بينهم من  "يأمل" أن يكون  قد عبر عن قناعات شخصية وليس عن "إملاءات  خارجية". وتدخل بعض النواب للتعبير عن استغرابهم لكلام الوزير  ونفي أي ارتباط خارجي لدورهم داخل قبة البرلمان. ووقف الأمر في هذا الحد رغم خطورته. 
من تتبع المشهد الغريب الذي يحصل لأول مرة داخل مقر السلطة التشريعية لا يمكن أن لا يصيبه الذهول.  هل بيننا خونة يستغلون منصة البرلمان لخدمة مصالح خارجية يتم نسجها في الدهاليز. الواجب الأكبر هو فضح كل "خائن"  اندس بيننا  والكشف عن علاقاته  المشبوهة  ومحاكمته حسب مقتضيات القانون الجنائي. 
مر الأمر أمام الناس جميعا  واختلط هذا الأمر على العديد من المتتبعين للشأن العام. كثير من الملاحظين أكدوا أنهم لم يسمعوا وزيرا وقف أمام النواب  وأشار إلى شيء من قبيل "خدمة أجندة خارجية" ومناورات في الدهاليز.  حتى في زمن وزير أم الوزارات لم يقل مثل هذا الكلام. انتقاد مضامين مشروع قانون المالية كان دائما محطة للنقاش  والتجاذبات  وكانت النقاشات تنتهي بكثير من السلوكات الحضارية  والمسؤولة. لعل الكثير منا لا زال يتذكر تدخلات المعارضة ورد وزراء  المالية كالرغاي والجواهري برادة وغيرهم، و ما كان يطبعها من حدة ومقارعة الحجة بالحجة. 
" كان يا ما كان" في قبة البرلمان، كان الأستاذ الجامعي  والمؤرخ  وعالم الاجتماع  والمحامي  ورجل  الأعمال  والمعلم والطبيب. كان دخل البرلماني الشهري لا يتجاوز ستة آلاف درهم، لكن فعله كان قويا وحضوره مؤثرا. وبعدها حلت النكسة ودخل إلى البرلمان أصحاب الشكارة  وبعض تجار المخدرات الذين تمت متابعتهم  وكثيرا من المنعشين العقاريين  و قليل من المسؤولين السياسيين فاختلط الأمر على المواطن إلى يومنا هذا. الجلسات يسيطر عليها أصحاب قوة الصوت  وغير الأبهيين بالتلفظ بالكلام غير المباح.  ونجح أعداء السياسة في خندقة العمل السياسي وإتلاف أركان ثقافة سياسية حملها رجال دولة رحمهم الله.  
اليوم زمن رجال من نوع آخر استباحوا السياسة  انطلاقا من بعض الأسواق  ومن ملاعب كرة القدم ومن مجال العقار  ومن السيطرة على هوامش المدن ومن استغلال أسواق الهشاشة الإجتماعية  ومن القدرة على تهميش الثقافة  وتسليع العمل الحزبي. اليوم ليس زمن رجال الدولة. ولكن هذا اليوم يحتاج إلى كل مضامين النموذج التنموي الجديد الذي وضع الأصبع على مكامن ضعفنا ورصد أوجه ضعف مؤسساتنا ووضح أن المغرب سيتمكن من الإقلاع التنموي بالاعتماد على رأس مال بشري في مناخ ديمقراطي وممارسات شفافة في كافة المجالات.