السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبدالله بوصوف:قمة جي 20 ببالي بين مخاض ولادة عالم جديد و فرصة جديدة للسلام…

عبدالله بوصوف:قمة جي 20 ببالي  بين مخاض ولادة عالم جديد و فرصة جديدة للسلام… عبدالله بوصوف
ستجري بمدينة " بالي " الأندونيسية قمة المجموعة العشرين G20 يومي 15 و16 نوفمبر الحالي..في وقت تتسارع فيه الأحداث و يتغير فيه  الفاعلين السياسيين بعد كل الانتخابات التي عرفتها بعض الدول الأعضاء في المجموعة كانتخابات إيطاليا و البرازيل..
ويذكر ان الاعداد لهذه القمة امتد منذ شهور عديدة ابتداءا من شهر يوليوز الماضي حيث اجتمع وزراء الخارجية من أجل الاتفاق على جدول اعمال ناجح لقمة تعقد في ظروف ساخنة..
ويرى العديد من المراقبين ان هذه القمة ستكون مناسبة لتدويب الخلافات او التمهيد لبناء علاقات دولية جديدة أو تحديد معالم العالم الجديد سواء على مستوى التحالفات السياسية او المصالح الاقتصادية من جهة، كما انه ستكون فرصة لاستعراض العضلات او جس النبض بين التحالف الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية او تحالف الشرق بزعامة روسيا و الصين من جهة ثانية..
الأكيد ان تداعيات كل من الأزمة الصحية من جراء الكوفيد 19 وما تبعها من إنهاك إقتصادي و ديمغرافي ..والحرب الدائرة في أوكرانيا وما خلفته من ازمة طاقية وغدائية…بالإضافة الى سلبيات التغييرات المناخية…كلها عوامل ستكون حاضرة بقوة في قمة مدينة " بالي " ، كما ستكون حاضرة توصيات المؤتمر العالمي حول المناخ المنعقد مؤخرا في شرم الشيخ بمصر ( كوب 27)…
لكننا نعرف ان قمة " بالي " هي أيضا مناسبة للقاءات مباشرة لقادة العالم بعد التدابير الوقائية للكوفيد من جهة و امتداد مساحة التوتر بين العديد من قادة بلدان جي 20…
فالرئيس الأمريكي " جو بايدن"  مثلا لم يلتقي مباشرة بالرئيس الصيني " شي جين بينغ " منذ أن كان نائبًا للرئيس أوباما..لذلك فلقائهما على هامش قمة جي 20 بأندونيسيا هو حدث سياسي مهم في تاريخ العلاقات بين البلدين..التي ازدادت توثرا مع رفع تسعيرة الجمارك في عهد الرئيس السابق ترامب ، ثم حبس العالم أنفاسه اثناء زيارة " نانسي بيلوسي " رئيسة البرلمان الأمريكي لجزيرة طايوان في غشت الماضي، وردت الصين عليها بتنظيم مناورات عسكرية غير مسبوقة فـي المنطقة…
ورغم ما عرفته علاقات المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الامريكية من مد و جزر في السابق، فان عدم تصويت السعودية على قرار رفع انتاج في الاجتماع الأخير لمنظمة الأوبيك بلوس..قد ازعج كثيرا الإدارة الأمريكية خاصة وان القرار جاء في وقت تبحث فيه دول الغرب عن بديل لغاز روسيا…لذلك فلقاء الأمير السعودي محمد بن سلمان وبايدن من شأنه ادابة الجليد و بناء علاقات جديدة على مقاسات المرحلة الجديدة…كما ان سلسلة توثر العلاقات بين أعضاء جي 20  يشمل أيضا فرنسا وتركيا في التنافس أولا حول دور الوسيط بين روسيا والغرب، وثانيا المنافسة على مناطق بإفريقيا…وبين فرنسا وإيطاليا في ملف الهجرة وفتح الموانئ أمام بواخر المنظمات الإنسانية المحملة بالمهاجرين الغير النظاميين..
لكن يبقى الغائب الأكبر عن قمة جي 20  هو الرئيس الروسي "فلادمير بوتين " حيث سيعوضه وزير خارجيته " سيرجي لافروف "…ربما لانشغاله بإدارة الحرب في أوكرانيا خاصة بعد قرار روسيا  بالانسحاب المفاجئ من منطقة " خيرسون" و التي تم ضمها الى جانب ثلاث مناطق أخرى الى السيادة الروسية بعد استفتاء شعبي في شهر شتنبر الماضي لاقى الكثير من الانتقاد والتشكيك في مصداقيته وقانونيته…الانسحاب الروسي من " خيرسون الاوكرانية " اعتبره البعض بأنه هزيمة قاسية لروسيا في الحرب على أوكرانيا وانه سيؤثر لا محالة في مجريات الحرب هناك، كما سيؤثر على سير كل مفاوضات قادمة و اكثر من هذا سيهز من ثقة القوات الروسية نظرا للموقع الاستراتيجي الهام للمنطقة…كما اعتبره البعض الآخر مقدمة لمفاوضات قد تقود الى اتفاق وقف اطلاق النار بين روسيا و أوكرانيا…
لذلك فمن المنتظر ان تكون الحرب الروسية/ الأوكرانية وكل تداعياتها من تهديد للامن الطاقي والغذائي وموجات الهجرة الجماعية..احدى الملفات التي ستحضى بنقاشات طويلة في " قمة بالي "  لتعقد العلاقات بين تياريْ الحرب…بين تيار روسيا والصين وايران من جهة ، وتيار أوكرانيا والإتحاد الأوروبي وأمريكا والناتو من جهة ثانية…ولتغييرات مهمة في منظمة البريكس BRICS حيث فاز اليساري " لويس ايناسيو لولا " بولاية ثالثة في البرازيل و أزاح  بذلك اليميني " جايير بولسونارو " ، وبالمناسبة فقد لوحظ في السنوات الأخيرة عودة قوية لما سمي في بداية سنوات   2000 " بالموجة الحمراء " في أمريكا اللاتينية ، حيث فاز اليسار في رئاسيات أكبر اقتصاديات أمريكا اللاتينية كالميكسيك والارجنتين والشيلي وكولومبيا والبرازيل بالإضافة الى فنزويلا.. وهو ما قد يعني تقديم طلب انظمام هذه الدول الى منظمة البريكس التي تحاول إقامة نظام عالمي بديل او مقابل لكل مؤسسات العالم الحالي…
ستحاول كل الدول الأعضاء في جي 20 الدفاع عن مصالحها الثنائية او في اطار تحالفات كبرى سياسية او اقتصادية.. و هكذا لاحظنا تنظيم لقاءات و زيارات مجاملة بين الأعضاء كلقاء الألماني " اولاف شولز " بالصيني " شي جين بينغ " ، او إطلاق تهديدات مبطنة و استعدادًا للحرب كتصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مدينة تولون يوم 9 نوفمبر بخصوص الخطوط العريضة للإستراتيجية العسكرية الجديدة للبلاد…او ظهور الرئيس الصيني ببدلة عسكرية في نفس اليوم و حديثه عن تعزيز قدرات الجيش والاستعداد للقتال..
هذا في الوقت الذي طار فيه الرئيس " جو بايدن " لمصر للمشاركة اعمال  في كوب 27 …مباشرة بعد الانتخابات التجديد النصفي التي جرت في فاتح نوفمبر الحالي و منها الى كامبوديا للمشاركة في اجتماع "آسيان " يومي 12 و13 نوفمبر ثم الى أندونسيا للمشاركة في قمة جي 20…اما الرئيس الصيني فسيطير الى  مدينة بانكوك بالطايلاند لمشاركة القادة الاقتصاديين APEC بعد قمة جي 20 حيث من المنتظر لقاءه مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أيضا..
ويبدو ان " قمة بالي " في نوفمبر 2022 ستكون نقطة فاصلة بين مرحلتين وبين تيارين…بعيدا عن صوت الرصاص والتهديد بالأسلحة النووية او القذرة وبعيدا عن توظيف سلاح التجويع الجماعي والظلام وقطع الكهرباء والتهديد بالعقوبات الاقتصادية…من جهة ، و بين تيار ينتصر لصوت الحكمة وكل طرق الديبلوماسية و في مقدمتها الديبلوماسية الناعمة وينتصر للشرعية الدولية وإحترام السيادة الوطنية للدول …من جهة ثانية…لأن قمة بالي يجب استثمارها كفرصة كبيرة للسلام…