الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد السلام المساوي: الزمن

عبد السلام المساوي: الزمن عبد السلام المساوي
الساعة زمن، لكن ماهو الزمن ؟
هل هو ظاهري خارجي أم نفسي داخلي ؟
هل هو مطلق أم نسبي؟ محدود ونهائي أم لا محدود ولا نهائي ؟
هل الزمن واحد بالنسبة للجميع ؟
هل يمكن فصل الزمن عن المكان ؟
هل الزمن غيبي ميتافزيقي أم علمي فلسفي ؟
اية علاقة تربطنا ، نحن المغاربة ، بالزمن ؟
هل لنا إدراك بأهمية الزمن في التطور والتقدم ، في النمو والتنمية ؟
هل لنا وعي بالزمن في بناء المستقبل ؟
هل نوجد في الزمن أم خارجه ؟
هل فهمنا بأن مشكلة الزمن مرتبطة تمام الارتباط بمشكلةالوجود بوجه عام ، وأن الزمان عامل جوهري مقوم للوجود ؟
هل الزمن الديني هو الزمن الاقتصادي والسياسي والمجتمعي؟
هل استطعنا التخلص من الميتافيزيقا واللاهوت في التعامل مع الزمن ، وهل استطعنا الارتقاء الى التعامل العلمي البرغماتي ؟
هل استوعبنا ان السبب الرئيسي لتأخرنا الشمولي هو جهلنا للزمن ؟
هل وعينا بأن مشاريعنا ومخططاتنا وبرامجنا فشلت لانها خارج الزمن ؟
هل الزمن هو كما نفهمه ؛ اللحظة والان ( ويصبح ويفتح ) أم هو الارتماء في المستقبل ؟
هل نحن كائنات زمانية أم فقط تراثية ؟
هل نستطيع الانتقال من ( نتلاقاو بعد صلاة العصر...) الى الدقة الزمنية ؟
هل نقاشنا الراهن حول الساعة نقاش جدي ومسؤول ، واعي وهادف ؟
هل هذه الساعة هي سبب عقم المدرسة المغربية وفشل النظام التربوي التعليمي ؟
هل من مصلحة الوطن ومصلحة تلامذتنا ان نغالطهم وندفعهم الى الاحتجاج ؟
هذه اسئلة، وغيرها، سنحاول التفكير فيها.
لقد شعر الإنسان بأهمية الزمن في حياته منذ عصور سحيقة من خلال تجارب مختلفة وملاحظات متنوعة، كتعاقب الليل والنهار أو الفصول الأربعة ، وتجربة الموت والحياة، والطفولة والشباب والكهولة ....وأحس الإنسان القديم بضغط الزمان المنساب باستمرار فحاول تغييره وإصطبغت نظرته له بصبغة اسطورية فكان ( بتاح ) أول آلهة الفراعنة و ( اوزيريس ) اله الخصوبة والنماء، هو الآخر يظهر دوريا فيموت او يختفي في زمن الحصاد، وينبعث من جديد زمن الزراعة ...وكذلك الأمر بالنسبة لليونان الذين قدسوا( كرونوس) الذي يلتهم أطفاله دون رحمة أو شفقة. وكذلك الأمر بالنسبة للحضارة الفارسية القديمة التي كانت من بين الديانات لديهم ، الديانة ( الزرفانية ) التي تقدس الزمان باعتباره أول موجود في الكون .
واذا كان هذا هو الأمر بالنسبة للمصريين واليونان والفرس ، فإن الدراسات الاتنولوجية المعاصرة ابانت ان بعض الشعوب البدائية مثل قبيلة (هوبى) من الهنود الحمر بامريكا الشمالية ليس لها أي تصور عن الزمان والمكان، حيث ابانت دراسة لغتهم عن عدم وجود ظروف زمنية مثل " من قبل " " من بعد " و " الان " وهي ظروف زمنية تشير إلى انات الزمن الأساسية ( ماض حاضر مستقبل ) .
اما العصور الوسطى فقد عرفت مع المسيحية والاسلام تصورا جديدا عن الزمن مثال ذلك ان القرآن يميز بين صنفين من الزمن :
1- زمن دنيوي وهو محصور وقصير ونسبي " أن عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض " فالسنة مركبة من 12 عشر شهرا .
2- زمن العالم الآخر يتميز بالخلود ، والأبدية واناته طويلة جدا " أن يوما عند ربك كالف سنة مما تدعون "
أما في العصر الحديث فقد لعب الزمن دورا هاما في مختلف الأنسقة الفلسفية الحديثة والمعاصرة .والفيلسوف الألماني ( كانط ) اعتبر أن الزمان والمكان اطاران قبليان للحساسية، موجودان بالذات الإنسانية العارفة، وليس مكتسبين بالتجربة. واذا كانت الهندسة تقوم على أساس تجانس الوسط المكاني، فإن الحساب يقوم على أساس تتالي انات الزمان. وقد أكد كانط أن الإنسان، بدون اطاري الزمان والمكان، لا يستطيع إدراك الاشياء في العالم الخارجي.
أما هنري برغسون فقد جاء بتصور جديد انطلاقا من التجربة الوجدانية للإنسان فميز بين صنفين من الزمن:
1- زمن فيزيائي هو زمن الساعات، ويتميز بأنه كمي متجانس، وليس له أهمية، لأنه يشبه المكان في خصائصه.
2- زمن حيوي ويتميز بأنه غير متجانس وذو طبيعة كيفية ويتميز بالتنوع فهو مناسب للاختراع والإبداع، ومن ثمة فهو المدة الحقيقية .
أما في التفكير العلمي المعاصر فإن النظرية النسبية (لالبرت اينشتاين) قد رفضت زمن الفلاسفة وكذلك زمن (نيوتن) الذي يتميز بأنه مطلق ومتصل، وينساب بنفس القياس في كل مكان، ومنفصل عن المكان .فأعطى اينشتاين صياغة جديدة للزمن حسب تقدم العلم وبين ان يشكل مع المكان مجالا سماه (الزمكان) حيث أصبح الزمان البعد الرابع . وهذا الزمن الموضوعي يتميز بأنه نسبي يختلف باختلاف (المنظومات المرجعية) ...بمعنى حسب ميرلوبونتي " أن الزمان يتمدد وينكمش حسب النقطة التي نتناوله منها - موقع المشاهد - وبالتالي فإن هناك كثرة من الأزمنة " .
تحت تاثير التصور العلمي للزمان الذي ارتبط بالفيزياء المعاصرة، جاء اصحاب المدرسة البنيوية المعاصرة، خاصة مع ( ليفي ستراوس) في ميدان الاتنولوجيا و (لوي التوسير) في الاقتصاد، فاعطوا تصورا جديدا للزمان، وإذا كان اينشتاين بلور مفهومه النسبي للزمان في مقابل زمان ( نيوتن ) فإن (كلود ليفي ستراوس) و (التوسير) بلورا مفهومين جديدين للزمان يمكن تسميته
ب( الزمان البنيوي ) من خلال معارضة ( الزمان التاريخي ) والذي يرجع في الأساس الى تصور ميتافيزيقي - في نظرهما - كما عبر عنه هيجل في فلسفته المثالية المطلقة، فما هي مميزات هذا " الزمان البنيوي " ؟
يرى ستراوس ان الزمن البنيوي ليس زمنا " تراكميا" اي لا تضاف إليه اللحظات بعضها إلى بعض ، بطريقة متصلة ومستمرة ، وفي نوع من الوحدة ، بل إن الزمن البنيوي " منفصل " بل " الي" ومن ثمة فهو قابل لأن يسير في مختلف الاتجاهات ، بمعنى أن الزمن البنيوي قابل " للارتداد" على عكس الزمن التاريخي الذي لا يسير في اتجاه أمامي وغير قابل للاعادة والتكرار .فليس هناك ما يمنع عند البنيوي من ان يظهر نظامان للقرابة او الإنتاج في زمن واحد، كما أنه ليس هناك ما يمنع من عودة ظهور بنية قرابة في وسط اجتماعي بدائي ما ، بعد أن كانت سائدة من قبل، في فترة سابقة، ولعل هذا ما عبر عنه ليفي ستراوس حين قال : " تلتمس الاتنولوجيا زمنا " زمنا اليا " أي قابلا للارتداد وغير تراكمي: فنموذج منظومة القرابة الأبوية لا ينطوي على ما يدل على أنه كان ابويا دائما، أو مسبوقا بمنظومة امومية ، أو ايضا بسلسلة تامة من التغيرات بين الشكلين ....( وبالمقابل ) ان زمن التاريخ " احصائي " لا يقبل الارتداد ، وينطوي على اتجاه محدد، والتصور الذي قد يرجع المجتمع الإيطالي المعاصر الى الجمهورية الرومانية لا يمكن تصوره ..." ومن ثمة، في نظر البنيويين هناك أزمنة مختلفة باختلاف البنيات الاجتماعية، فلكل منظومة مرجعية ، مفهومها الخاص عن الزمن، حيث نجد أن هناك : " زمن مستقل عن زمن الملاحظ وغير محدود، وزمن مرتبط بزمن الملاحظ الخاص ... أو محدود، وزمن يحلل أو لا يحلل إلى أجزاء متماثلة أو نوعية ...وقد أثبتت بعض الدراسات أن الاختلاف بين اللغات يرجع إلى التنافر الملحوظ من قبل الملاحظ ...بين زمنه الخاص والأزمنة التي تتعلق بمقولات مخالفة ...أن هذا التحليل المستقى من دراسة مجتمع أفريقي يمكن توسيمه بحيث يشمل مجتمعنا الخاص "
كذلك الأمر بالنسبة ل (لوي التوسير) الذي يرفض التصور الهيجلي للزمان باعتباره تصورا ميتافزيقيا يجعل من الزمن وحدة كلية لها وجود سابق عن الأزمنة الجزئية  وأن ذلك الزمن الكلي يستوعب ويتضمن تلك اللحظا . ومن ثم فإن الزمان الهيجلي يتميز بالاستمرار والتناسق، تكون فيه الوقائع التاريخية الجزئية انعكاسا لما هو متضمن في الفكر الكوني الكلي ...أما التوسير فيرى أن هناك انماطا متعددة من الإنتاج ( مشاعية بدائية، عبودية، اقطاعية، رأسمالية، اشتراكية ) وان لكل نمط زمانه الخاص به، كما أن هناك بنيات مختلفة مثل " علاقات الإنتاج " و" قوى الانتاج " و " البنية الدينية " و" البنية القانونية " و " السياسية " و " الفنية " الخ ....ولكل بنية استقلالها النسبي واطارها الزماني الخاص بها، بمعنى ليس هناك تواقت/ تزامن بين أزمنة تلك البنيات، أي أن وظيفة بنية ما كالبنية التحتية ، لا يستلزم بالضرورة إيقاعا متواقتا في البنية الفوقية ( الايديولوجيا ) لأن إيقاعها الزماني متباين.