Saturday 26 July 2025
اقتصاد

سعيد ألعنزي تاشفين: التفكير في تخطيط مدن مستدامة لا يمكن أن يتم دون إدماج المعطى المناخي لما تعيشه مناطق من معنى حقيقي لجهنم

سعيد ألعنزي تاشفين: التفكير في تخطيط مدن مستدامة لا يمكن أن يتم دون إدماج المعطى المناخي لما تعيشه مناطق من معنى حقيقي لجهنم سعيد ألعنزي تاشفين
في هذا الحوار، يناقش الباحث السوسيولوجي والناشط الحقوقي سعيد ألعنزي تاشفين تحديات التعمير في مدن المغرب في ظل تصاعد موجات الحرارة، منتقدا غياب البُعد المَناخي والحضاري في تخطيط المدن، ممّا ينعكس سلبا على راحة المواطن وجودة حياته. 
ويُحذر ألعنزي في حوار مع "أنفاس بريس"، من أن المدن المغربية، كما هي اليوم، تُعمّق الاختلالات الاجتماعية بدل أن تنتج السعادة، داعيا إلى سياسات عمرانية ذكية تُدمج المعطى المناخي وتستثمر في مدن إيكولوجية تُخفّف من آثار التغيرات المناخية وتوفّر شروط العيش الكريم.
وفي ما يلي نصّ الحوار:
 
كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للمغرب‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬موجة‭ ‬الحرارة‮ ‬‭ ‬وارتفاعها‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الواحات‭ ‬والمناطق‭ ‬المعروفة‭ ‬بارتفاع‭ ‬الحرارة،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬نوع‭ ‬البناء‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬والشقق‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والإدارات‭ ‬وفاتورة‭ ‬استهلاك‭ ‬الطاقة‮ ‬والتشجير‭ ‬وغيره؟‮ ‬
إن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المدينة‭ ‬المغربية‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬صعوبات،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المدينة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ذلك‭ ‬التطور‭ ‬العمراني‭ ‬(الإسمنت‭ ‬والحديد)‭ ‬الذي‭ ‬يغزو‭ ‬المجال‭ ‬الحضري‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬المدينة‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬المدينة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعمران،‭ ‬بالأحرى،‭ ‬هي‭ ‬نفَس‭ ‬حضاري‭ ‬مرتبط‭ ‬بفلسفة‭ ‬الحياة‭ ‬ونضج‭ ‬المجتمع،‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬المدينة‭ ‬هي‭ ‬حاضرة‭ ‬النهضة‭ ‬الأروبية‭ ‬خلال‭ ‬بداية‭ ‬الحقبة‭ ‬الحديثة‭ ‬سيما‭ ‬بحواضر‭ ‬إيطاليا‭ ‬وفلورنسا‭ ‬وجنوة‭ ‬والبندقية‭.‬
وقياسا،‭ ‬أعتبر‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬المدينة‭ ‬المغربية‭ ‬لم‭ ‬يؤسس‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬حضارية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تنمو‭ ‬المدن‭ ‬بالحديد‭ ‬والإسمنت‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬استراتيجيات‭ ‬حضارية‭ ‬-‭ ‬حضرية‭ ‬تضع‭ ‬لبنات‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬معانيها‭. ‬لهذا‭ ‬تعيش‭ ‬ساكنة‭ ‬المدن‭ ‬المغربية‭ ‬ظروفا‭ ‬صعبة‭ ‬صيفا‭ ‬تحت‭ ‬تداعيات‭ ‬موجات‭ ‬الحرارة‭ ‬التي‭ ‬تخدش‭ ‬راحة‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬الشقق‭ ‬الضيقة‭ ‬وبتصاميم‭ ‬دون‭ ‬مستوى‭ ‬تدبير‭ ‬معطى‭ ‬المناخ،‭ ‬وكذلك‭ ‬شتاءً‭ ‬بسبب‭ ‬موجات‭ ‬البرد‭. ‬وهنا‭ ‬أستنتج‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬أسئلة‭ ‬المعمار‭ ‬-‭ ‬العمران‭ ‬-‭ ‬الهندسة‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬ذكاء‭ ‬كاف،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬حشو‭ ‬عمراني‭ ‬وتضخم‭ ‬التمدين‭ ‬بلا‭ ‬مضامين‭ ‬حضارية‭ ‬-‭ ‬حضرية‭ ‬تخطط‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬لصالح‭ ‬راحة‭ ‬المواطنين،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تعجز‭ ‬المدينة‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬السعادة‭.‬
 
لكن،‭ ‬كم‭ ‬يكلفنا‭ ‬ذلك؟
بالنسبة‭ ‬للتكاليف‭ ‬أفيدكم‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬عجز‭ ‬المدينة‭ ‬عن‭ ‬ضمان‭ ‬رفاه‭ ‬المواطنين‭ ‬ينعكس‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الجريمة‭ ‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تربية‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬شقق‭ ‬ضيقة‭ ‬لا‭ ‬يضمن‭ ‬أي‭ ‬توازن‭ ‬سيكولوجي‭ ‬-‭ ‬وجداني‭ ‬للطفل‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬لمشاكل‭ ‬الحرارة‭ ‬المفرطة‭ ‬صيفا‭ ‬والبرودة‭ ‬المفرطة‭ ‬شتاء‭ ‬ينعكس‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬استهلاك‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعديل‭ ‬المناخ‭. ‬لهذا‭ ‬أتساءل‭ ‬معكم‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬نجحت‭ ‬سياسة‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬استثمار‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬مثلا‭ ‬لصالح‭ ‬راحة‭ ‬المواطنين؟‭ ‬وكيف‭ ‬فشلت‭ ‬مخططات‭ ‬التمدين‭ ‬في‭ ‬مراعاة‭ ‬الشرط‭ ‬المناخي‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬تصاميم‭ ‬المدن‭ ‬المغربية؟!‭ ‬وطبعا‭ ‬أعتبر‭ ‬أن‭ ‬مدننا‭ ‬لا‭ ‬روح‭ ‬حضارية‭ ‬لها،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬قرى‭ ‬إسمنتية‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬الأعم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬التفكير‭ ‬البديل‭ ‬لصالح‭ ‬مدن‭ ‬مناخية‭ ‬ذكية‭ ‬تؤمن‭ ‬السعادة‭ ‬الساكنة‭ ‬بدل‭ ‬تعميق‭ ‬الإكتئاب‭ ‬والتوتر‭ ‬وخلق‭ ‬أمراض‭ ‬اجتماعية‭ ‬كالعنف‭ ‬والتنمر‭ ‬العمودي‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬فهم‭ ‬تأثير‭ ‬التعمير‭ ‬على‭ ‬السلوك‭ ‬البشري‭.‬
 
كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬يشتغل‭ ‬في‭ ‬هاته‭ ‬الوضعيات‭ ‬بنصف‭ ‬طاقاته،‭ ‬ويتم‭ ‬إهدار‭ ‬قدرات‭ ‬إنتاجية‭ ‬ومالية‭ ‬ضخمة‭ ‬للبلد،‭ ‬بينما‭ ‬يتم‭ ‬التلكؤ‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬سياسات‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬عمومية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استثمار‭ ‬ذلك،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نؤدي‭ ‬الكلفة‭ ‬التي‭ ‬تتضاعف‭ ‬لمرات؟‮ ‬
المواطن‭ ‬المغربي‭ ‬للأسف‭ ‬رقم‭ ‬رخيص‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬والجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬والحكومة‭ ‬كلها‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الفشل‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬سياسات‭ ‬عمومية‭ ‬ذكية‭ ‬تفكر‭ ‬خارج‭ ‬الصندوق‭ ‬لصالح‭ ‬إبداع‭ ‬حلول‭ ‬أفضل‭ ‬لمشاكل‭ ‬المواطنين‭.‬
وعليه،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬سكان‭ ‬المدن‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬عجز‭ ‬التعمير‭ ‬عن‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬إكراهات‭ ‬المناخ،‭ ‬فإن‭ ‬زيارة‭ ‬سفوح‭ ‬الجنوب‭ ‬الشرقي‭ ‬أو‭ ‬قفار‭ ‬الشمال‭ ‬الشرقي‭ ‬تكفي‭ ‬لتكتشف‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬لجهنم‭ ‬كما‭ ‬يعيشها‭ ‬المواطن‭ ‬هنالك‭ ‬بسبب‭ ‬انعدام‭ ‬التشجير‮ ‬وضعف‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‮ ‬‭.‬
العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المناخ‭ ‬والتعمير‭ ‬متداخلة‭ ‬ومعقدة،‭ ‬إذ‭ ‬يؤثر‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬في‭ ‬الآخر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬فالمناخ‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الطابع‭ ‬العمراني‭ ‬والمعماري‭ ‬للمدينة،‭ ‬حيث‭ ‬تختلف‭ ‬أنماط‭ ‬البناء‭ ‬والمواد‭ ‬المستعملة‭ ‬حسب‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة،‭ ‬ونسبة‭ ‬الرطوبة،‭ ‬وسقوط‭ ‬الأمطار‭ ‬أو‭ ‬الثلوج‭ . ‬كما‭ ‬يحدد‭ ‬المناخ‭ ‬طبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التنقل،‭ ‬والإستعمالات‭ ‬الطاقية،‭ ‬وتصميم‭ ‬الفضاءات‭ ‬العامة‭.‬
في‭ ‬المقابل،‭ ‬تُحدث‭ ‬المدينة‭ ‬تأثيرا‭ ‬على‭ ‬المناخ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ظاهرة‭ ‬“الجزيرة‭ ‬الحرارية‭ ‬الحضرية”،‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬كثافة‭ ‬الإسمنت‭ ‬وقلة‭ ‬الغطاء‭ ‬النباتي‭ ‬وضغط‭ ‬الديموغرافيا،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬داخل‭ ‬المدن‭ ‬مقارنة‭. ‬لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬تخطيط‭ ‬مدن‭ ‬مستدامة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬دون‭ ‬إدماج‭ ‬المعطى‭ ‬المناخي،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬أو‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬آثارها‭ ‬عبر‭ ‬التخطيط‭ ‬البيئي‭ ‬والممارسات‭ ‬العمرانية‭ ‬المسؤولة‭ ‬ضمن‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬خلف‭ ‬مدن‭ ‬إيكولوجية‭ ‬ذكية‭.‬