Tuesday 29 July 2025
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: من إيران إلى فلسطين

أحمد الحطاب: من إيران إلى فلسطين أحمد الحطاب
كلنا نعرف المخطط الإيراني المُتمثِّل في نشر إيديولوجيا التَّشيُّع، بصفة خاصة في البلدان الإسلامية، وقدرَ المستطاع في جميع أنحاء العالم حيث يتواجد المسلمون السّّنِّيون. من أجل هذا النشر، وبفضل عائدات البترول الضخمة، استطاعت إيران أن يكون لإديولوجيتِها امتداد في بعض بلدان الشرق الأوسط. في لبنان، عبر حزب الله. في اليمن، عبر الحوثيين. في فلسطين، عبر حماس، رغم أن جماعة حماس سُنِّية، لكن السَّخاء الإيراني استطاع أن يحعلِ من قيادِيِّ هذه الجماعة درعاً ناقلا لأفكار الشيعة الإيديولوجية. كما استطاع القادة الإيرانيون أن يستغلوا تواجدَ المذهب الإسلامي الشيعي في العراق وسوريا والبحرين وفي بلدان أسيوية كالباكستان وأفغانستان.

ما يهمُّ إيران، هو نشر التشيُّع كإيديولوجيا سياسية répandre le chiisme comme idéologie politique وليس كمذهب ديني et non comme une doctrine religieuse. وهذا يعني أن قادةَ إيران السياسيين يخلطون الدينَ بالسياسة لتحقيق أغراض سياسية، وعلى رأسها بسط النفوذ الإيراني على أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي.

ولهذا، فإيران لا تهمُّها لا القضية الفلسطينية ولا أية قضية أخرى فيها نفعٌ للبلدان الإسلامية. ما يهمُّ القادة الإيرانيين، هو أن تصبح بلدانُ بأكملِها خاضعةً لنفوذِها ولا تتحرَّك إلا بإذنها، كما هو الشأن حاليا باليمَن عبر الحوتيين. وهذا يعني أن أيةَ قضية يتبناها القادة الإيرانيون ليست إلا مطية un tremplin يركبونها لتحقيق أهداف مُخالفة للأهداف الأصلية للقضية التي يُظهِر هؤلاء القادة أنهم يدافعون عنها. وخير مثالٍ يمكن ذكرُه، في هذا الصدد، هو القضية الفلسطينية.

لو كان القادة الإيرانيون يدافعون، فعلاً وحقيقةً، عن القضية الفلسطينية، لمنعوا حماس من تنفيذ ما سمَّته حماس 'عملية طوفان الأقصى"، أي الهجوم على إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023. لماذا؟

لأن القادة الإيرانيين ومعهم حماس، كانوا يعرفون، حقَّ المعرفة، أن الرَّدَّ الإسرائيلي سيكون شديدَ القسوة، وخصوصا، من طرف حكومة إسرائيلية يرأسها المُتطرَّف أخلاقياً ودينياً المسمى بنيامين نتنياهو Benyamin Netanyahu. وهنا، علينا أن نستعمل عقولَنا بشيءٍ من بُعد النظر والتَّبصُّر، ونطرح الأسئلة التالية :

1."هل فكَّرَ القادة الإيرانيون ومعهم حماس في عواقب هذا الهجوم على إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023؟". إن فكَّروا فيها وتغاضوا عنها، فهذه مصيبة كبرى. وإن لم يفكِّروا فيها، فالمُصيبة أعظم.

2."هل فكَّرَ القادة الإيرانيون ومعهم حماس في أن ميزانَ القوة، هو في صالح إسرائيل وليس، على الإطلاق، في صالح لا إيران ولا حماس ولا في صالح القضية الفلسطينية. وخصوصا أن إسرائيل تحظى بالدعم اللامشروط، السياسي، المعنوي والمادي من طرف كثير من الدول الغربية وعلى رأسها، الولايات المتحدة. إن فكَّروا في هذا الميزان وتغاضوا عنه، فالأمر يُعد بمثابة انتحار للقضية الفلسطينية. وإن لم يفكِّروا فيه، فهذا يعني أن القضية الفلسطينية لاتهم لا القادة الإيرانيين ولا حماس.

3."هل فكَّرَ القادة الإيرانيون ومعهم حماس في مصير الشعب الغزَّاوي، الذي هو فلسطيني، بعد الرَّد الإسرائيلي على هجوم يوم 7 أكتوبر 2023؟". فإن لم يفكِّروا في هذا المصير، فليس لهم عذرٌ. وإن فكَّروا فيه وتغاضوا عنه، فأين هي كرامة الإنسان الفلسطيني وأين حقه في الوجود والحياة.

4."ألم يكن القادة الإيرانيون ومعهم حماس، على علمٍ بأن إسرائيل دولة تعض بالنواجد على الإديولوجيا الصهيونية. والإيديولوجيا الصهيونية، من خصائصها، التوسُّع الجغرافي على حساب الدول المُجاوِرة. والحزب السياسي الإسرائيلي المُُؤيِّد بشدة لأطروحة التوسع الجغرافي، هو حزب "اللِّيكود" المتطرف والعنصري الذي يرأسه بنيامين نتنياهو والذي شعارُه العنف la violence والعدوانية l'agressivité والإجرام la criminalité.

إن كان القادة الإيرانيون على علمٍ بهذه المعطيات، وهم على علمٍ بها، وتغاضوا عنها، فأطروحة الدفاع عن فلسطين ليست إلا كذبٌ ونفاق وإلهاءٌ الناس عن معرفة الحقيقة. وإن كان قادة حماس على علم بهذه المعطيات، وهم بالطبع على علمٍ بها، وتغاضوا عنها، فما هي قيمة حياة الإنسان الغزاوي عند هؤلاء القادة؟ قيمة حياة الإنسان الغزاوي لا تساوِي شيئا، لا عند القادة الإيرانيين ولا عند قادة حماس.

ولهذا، فمصيرُ الشعب الغزاوي، بعد الرد الإسرائيلي، هو القتل من أجل استئصال الإنسان الفلسطيني من الوجود أو مصيرُه الإبادة. وهذا المصير معروف، مُسبقاً، وجابت أصداءُه العالمَ بأسرِه. كله مأساةٌ وجوعٌ وعطشٌ ومرضٌ وفقر وإهانةٌ واحتقارٌ وظلمٌ وحزنٌ وإبادةٌ وهدمٌ ودمارٌ ورُعبٌ وشؤمٌ…

وفي نهاية المطاف، ماذا قدَّمت، إلى حد الآن، إيران ودِرعُها حماس للقضية الفلسطينية؟ قدمت لها الخراب والدمار. بينما الشعوب التي تؤمن بالقيم الإنسانية وبقيمة البشر، دافعت، ولو بالكلام والشعارات les slogans، عن القضية الفلسطينية. وهذا الدفاع لم يكن، على الإطلاق، مبنيا على المعتقدات الدينية les croyances religieuses. بل كان ولا يزال مبنياً على ما تفرضه الإنسانية من قيمٍ إجتماعية وأخلاقية سامية.

يقول القادة الإيرانيون والحمساوون إن هجومَ 7 أكتوبر 2023 يدخل في نِطاق المقاومة. فأية مقاومة هذه، غير العقلانية وغير المدروسة والعشوائية والنابِعة من الأوهام والإيديولوجيا الواهية؟ وأية مقاومة هذه التي راح ضحيتَها جزءٌ كبير من الفلسطينيين، جُلُّهم من الأطفال والنساء والمُسنين. أهكذا تُدافع حماس وأبوها الروحي، إيران، عن القضية الفلسطينية؟ وأية مقاومة هذه التي تُسفِر عن قتل 10 أو حتى 20 ضحية إسرائيلية مقابل سقوط ألوف الضحايا الفلسطينيين؟ وأية مقاومة هذه تريد أن تهزمَ واحداً من أقوى الجيوش في العالم؟ وأية مقاومة هذه يختبئ اعضاءُها في الأنفاق les tunnels souterrains، وتترك شعبَها وجهاً لوجهٍ مع ترسانة أسلحة الجيش الإسرائيلي؟

وفي الخِتام، ماذا استفادت حماس وراعيها الروحي et son sponsor spirituel، إلى حدِّ الآن، من المقاومة؟ لا شيء. وما دام الحالُ مستقرّاً في عدم الاستفادة، فما يفرِصه الواقع، هو أن يتمَّ تصنيفُ أعضاء هذه المقاومة وراعيهم الإيراني في خانة الخِيانة la trahison والإجرام la criminalité.