الجمعة 17 مايو 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: العدالة الضريبية تحولت إلى ظلم مجتمعي 

 
 
إدريس الأندلسي: العدالة الضريبية تحولت إلى ظلم مجتمعي  إدريس الأندلسي
مساوئ مشروع قانون المالية 
حاولت التعامل مع البنية الضريبية منذ زمان على أسس المبدأ الدستوري الذي يفرض المساهمة في تحمل التكاليف كل حسب قدرته. حاولت أن أتعامل مع الضريبة بمنطق الأخلاق  والمسؤولية المواطنة في دولة الحق و القانون. فرحت كثيرا حين فتحت أوراش البناء الجديد للقانون الضريبي وتوحيد  النصوص من خلال مدونة عامة للضرائب. سكنتني روح رومانسية وطوباوية لكي أتعايش مع الأمل في غد أفضل. نعم العدالة الضريبية هي من روافد  وأسس الدولة  واستمرارية المرفق العام. تابعت ثلاث مناظرات ضريبية  ورفعت كلها توصيات حول العدالة الجبائية  ومحاربة الغش والتهرب الضريبيين. وأدت نتائج المناظرة الثالثة إلى اعتماد قانون إطار. 
و لمن يريد أن يتذكر، كانت أهم الانتظارات تتعلق بإعطاء معنى حقيقيا للمبدأ  الدستوري حول مساهمة المواطنين كل حسب قدراته. ولكن الآمال تتبدد كل يوم  و كل سنة  وكل عشر سنوات. يصل شهر أكتوبر كل سنة  وتظهر معه انتظارات اجتماعية  وأمل في تباشير لصبح جديد يجعل من الضريبة تلك الأداة التي تساهم في تحقيق العدالة الإجتماعية. 
وجاء أخنوش محمولا على أكتاف جماهير  وأحزاب الاستقلال  والأصالة  والمعاصرة  وقال بصوته أنه جاء ليغير وضعية الناس. "اغراس اغراس" سمعت في سوس العالمة  ووصل صداها إلى مناطق أخرى وبعد ذلك اصطدمت تلك الجماهير بواقع ليس بالجديد. مشروع قانون المالية موجه أساسا للأغنياء  وذوي رؤوس الأموال.  الضريبية على الأرباح ستنخفض مع مرور تكتيكي عبر فرض  40% على من يحقق أرباحا تتجاوز 100 مليون درهم.  وهي شركات أغلبها حكومية (من لحيتو  لقم ليه) والمؤسسات البنكية  وشركات التأمين.  بالطبع لن يتم التعامل بنفس المنطق مع شركات المحروقات التي تستورد  ولا تستثمر إلا القليل في التخزين  وشركات الإتصالات التي تسبح في بحر هادئ يضمن أرقام معاملات بعشرات ملايير الدرهم.  سيتفيد هؤلاء من ميزانية ستصل إلى  600 مليار درهم منها جزء كبير سيصل إليهم كصفقات مربحة  ومجدية  وزيادة في مراكمة الثروات.
وما على حماة التوزيع " العادل" للعبىء الضريبي إلا تكليف بعض الموظفين أو " التقنوقراط" الذين تحولوا دون تحضير سياسي إلى مراكز أكبر منهم في بلد له تاريخ  وأعراف  ومؤسسات  وثقافة تضامنية  ومصالح استراتيجية يصعب فهمها على من لا يحترم العمل السياسي  ويحتقر الثقافة  ويعتبر معرفة الأرقام أهم من التشبث بثوابت أمة عريقة. 
مشروع قانون المالية يناقش في مجلس النواب.  ورغم الآجال القانونية التي يؤطرها الدستور والقانون التنظيمي للمالية، يحاول البعض اختصار الزمن  السياسي. وقد تشعل مواعيد كأس العالم بقطر إيقاع التصويت على أهم قانون يهم البلاد.  لكن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن. يروج أن الكثير من البرلمانيين لا  يريدون تحمل تبعات مقترحات ضريبية تضعف القوة الشرائية للطبقة الفقيرة  والمتوسطة. تقول الوثائق أن مشروع قانون المالية يريد أن يحمي الطبقة الوسطى  ويزيد من دورها في دعم الطلب المحلي  وزيادة قدرتها على الإدخال. 
يا للعجب... كيف سيحصل ذلك مع زيادة الضريبة على القيمة المضافة على الخدمات المقدمة من طرف المهن الحرة  و التي سيتحملها المواطن المتوسط في الأساس. لن يتحمل المحامون هذه الضريبة بل سيزيدونها على تكلفة أتعابهم  و هذا من حقهم.  وللتذكير فإن الضريبة على القيمة المضافة يتحملها المستهلك النهائي. وحتى نزيد من إيضاح غياب العدالة الضريبية  وزيف شعارات الحكومة نعطي مثال العبىء الضريبي على دخل الطبقات الوسطى بالمقارنة مع الدخول العقارية وتلك التي ترتبط بعائدات  الأسهم في سوق راس المال.  
الأجير في القطاع العام والخاص يخضع لسلم تضريب دخله الخام قد يصل في تطبيق 38% على  الجزء الذي يتجاوز 000  180 درهم . و هكذا يصل مستوى تضريب دخل يصل  إلى 000 15  درهم إلى نسبة مدمجة تصل إلى 24،4%. وبالرجوع إلى الضرائب على  الدخول العقارية  سواء تلك التي ترتبط  بالقيم العقارية كأسهم  أو استثمارات في مختلف الأوعية المالية، أو تلك التي ترتبط مباشرة بدخول عقارية ،يظهر أن الأسعار المطبقة تظل بعيدة عن مبدا العدالة الضريبية. فإذا كان دخلك من عقارات يصل شهريا إلى  50 ألف درهم فلن تؤدي سوى 15% على دخلك العقاري السنوي.  أما الأجير  فله الله  وما تبقى من هزالة الدعم النقابي لكي ينتظر الفتات. 
أما إذا تكلمنا عن الأرباح المتعلقة بالاستهلاكيات الفلاحية فالأمر افظع  والظلم أوسع وقدرة كبار الفلاحين و مسانديهم عسيرة على التقنوقراط المصبوغين بالسياسة إلى حين.  سيقول أصحاب العقل الذي يسيطر في هذه الأيام أن الظرفية صعبة  والمقبل أصعب.  ونقول لهم أن الظرفية كانت أصعب حين كانوا يدرسون في الإعداديات. بدأ المغرب منذ عشرين سنة مسيرة بناء كبيرة منذ أزيد من 20 سنة وفتحت أبواب الأمل مشرعة  و متسلحة بمشاريع كبرى  و بتشبث  بمؤسسات قوية. اليوم وصل جيل جديد برؤيا قديمة يتخبط بين الليبرالية  ونا سموه "بالدولة الاجتماعية". 
مشروع قانون المالية ليس مجالا لكي يسيطر موظف عمومي أصبح، بقدرة قادر،  في مرتبة وزير على بناء قانون للمالية  يجب  أن يهدف إلى دعم العيش المشترك. أما دعم الأغنياء الذين يستثمرون  ويخلقون مناصب الشغل  ويعيدون استثمار أرباحهم لزيادة القاعدة الإنتاجية للبلاد ،فلن نختلف عليه. أما المستفيدون من الريع الانتخابي والمؤسساتي  والضريبي والمقالع  ورخص النقل  والمتكاثرة ثرواتهم بغير حق، فهؤلاء أعداء رفعة  وتقدم الوطن تحت قيادة متنورة  وملتزمة لعاهل البلاد. 
أظن أن بلادنا اليوم تحتاج إلى زيادة رأسمال التفكير  و حشد الطاقات،  كما جرى في عز أزمة كوفيد، لكي ننتصر جميعا على كل مظاهر الظلم المجتمعي  ونحد، بكثير من العزم، من الفوارق الإجتماعية و المجالية. الفرق كبير بين المواطنين  و بين الجهات. سأصفق كثيرا لصانعي الثروات وألعن اليوم الذي صعد فيه الانتهازيون إلى منصات القرار  و يقفون اليوم لمنع محاسبتهم عن اغتناء سريع واحتماء بأشباه  زعماء سياسيين.  
و السلام على من اتبع الهدى. سأكون سعيدا و أنا اقتني قنينة غاز بسعرها الحقيقي بشرط أن تمكن العدالة الضريبية المحتاجين من دخل يحمي كرامتهم.