تشهد الجزائر في الأيام الأخيرة حالة من الترقب والقلق الشعبي والسياسي، على خلفية الغياب المفاجئ وغير المفسر لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن الساحة العامة. في ظل غياب بيانات رسمية وافية، يتزايد الجدل والتكهنات، وسط مخاوف من دخول البلاد في أزمة دستورية جديدة تشبه تلك التي سبقت استقالة الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة.
غياب طويل وغياب الشفافية
منذ الخامس من غشت 2025، حتى 25 غشت الجاري، لم يظهر الرئيس تبون في أي نشاط رسمي، ولم تصدر مؤسسة الرئاسة أي توضيح بشأن مكان وجوده أو وضعه الصحي. هذا الصمت الرسمي فُسّر على نطاق واسع كعلامة على اضطرابات داخل السلطة، أو على الأقل خلل في إدارة الأزمة، خصوصاً بعد أن تناقلت وسائل إعلام أن وحدات من الجيش شوهدت وهي تطوق مبنى التلفزيون العمومي بالعاصمة، ما اعتبره البعض إشارة إلى توتر داخلي محتمل.
بين المرض والانقلاب: تكهنات دون أجوبة
أمام غياب المعلومات، سادت فرضيات متعددة: هل الرئيس مريض؟ هل يُعالج في الخارج؟ هل هناك تدخل من المؤسسة العسكرية؟ هل وقع صراع داخلي على السلطة؟ وقد أشار البعض إلى احتمال وقوع انقلاب ناعم داخل أروقة النظام، خصوصاً في ظل ما اعتُبر “فوضى مؤسساتية” داخل الحكومة، حيث يتصرف بعض الوزراء خارج التنسيق الرئاسي المعتاد.
وزارة الاتصال حاولت نفي هذه الشائعات، معتبرة أنها حملات مغرضة تُدار من "دوائر معادية للجزائر"، دون تقديم دليل أو تبرير رسمي للاختفاء.
مخاوف دستورية تُطل من جديد
ينص الدستور الجزائري، وتحديداً المادة 102، على إجراءات واضحة في حال وجود مانع يمنع رئيس الجمهورية من أداء مهامه:
في البداية، يُعلن البرلمان عن حالة "المانع المؤقت" لمدة أقصاها 45 يومًا.
في حال استمرار الغياب بعد تلك الفترة، يُعتبر المنصب شاغرًا، ويتم تفعيل ترتيبات خلافة دستورية.
غياب تبون اليوم يعيد إلى الأذهان تلك المادة، ويطرح تساؤلات جدية حول من يتولى فعليًا إدارة شؤون البلاد حاليًا، وما إذا كانت الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية قد بدأت بالفعل بترتيب سيناريوهات بديلة.
ردود المعارضة وتحذيرات المحللين
عدد من الأصوات داخل المعارضة، أبرزها الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، انتقدت غياب الشفافية، ووصفت الوضع الحالي بـ"الفوضى داخل مؤسسات الدولة". كما حذّر محللون سياسيون من تكرار مشهد "الفراغ في السلطة"، الذي عايشته الجزائر خلال السنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة، حين أصبح الرئيس غير قادر فعليًا على أداء مهامه، بينما كانت الدولة تُدار من خلف الكواليس.
الجزائريون في حالة ترقب
وسط تصاعد التكهنات، يعيش الشارع الجزائري حالة ترقّب مشوبة بالقلق، وغياب رئيس الدولة لفترة طويلة دون تفسير رسمي لا يمكن أن يمرّ دون تأثير على الاستقرار السياسي العام، ولا على صورة المؤسسات في الداخل والخارج.
إن لم تُصدر السلطة بيانًا واضحًا، فإن الموقف مرشح لمزيد من التأزم، خصوصاً أن الجزائريين فقدوا ثقتهم في الروايات الرسمية بعد تجارب متكررة من التعتيم السياسي.
حالات مماثلة في تاريخ الجزائر
غياب الرؤساء عن المشهد العام ليس جديدًا في الجزائر، بل سُجلت حالات مشابهة عبر العقود:
-عبد العزيز بوتفليقة (2013–2019): تعرض لجلطة دماغية عام 2013، وعاد للظهور بشكل نادر وضعيف، بينما استمر رسميًا في الحكم حتى استقالته تحت ضغط الحراك الشعبي سنة 2019. الفترة شهدت ما اعتُبر “حكمًا من خلف الستار” من طرف رجال الظل والمقربين منه.
-هواري بومدين (1978): غاب عن الأنظار بسبب مرض مفاجئ، وتوفي لاحقًا دون أن تُكشف تفاصيل كاملة عن حالته، ما أثار تكهنات حتى بعد وفاته.
-الشاذلي بن جديد (1992): لم يغب صحيًا، بل أُجبر على الاستقالة بعد انقلاب سياسي غير معلن قاده الجيش في بداية الأزمة الأمنية.
خاتمةإن تكرار غياب الرؤساء في الجزائر دون تواصل شفاف مع الشعب يكشف عن أزمة هيكلية في بنية النظام السياسي، حيث يغيب مبدأ المحاسبة وتُغيب المؤسسات لصالح منطق “الدولة العميقة”. وفي ظل الأزمات الإقليمية والدولية التي تمر بها الجزائر، فإن مصير الرئيس تبون لم يعد شأنًا شخصيًا أو صحيًا، بل قضية دولة، تستوجب وضوحًا سريعًا قبل أن يفقد الشارع صبره مجددًا.
