الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد السلام المساوي: نطمح إلى دولة مدنية

عبد السلام المساوي: نطمح إلى دولة مدنية عبد السلام المساوي
نطمح الى دولة مدنية، دولة آمنة مطمئنة يعود فيها شيوخ الفقه الأسود، يعود فيها رجال الدين، الى معابدهم ومقابرهم ...نطمح الى تطهير هذا البلد، البلد الأمين. بلد التسامح والدموقراطية، بلد التعدد والاختلاف. نطمح الى تطهيره من تجار الدين وتجار السياسة. الذين اساؤوا الى الدين والسياسة سواء بسواء ....

نطمح إلى تطهير المغرب من فيروس شيوخ التكفير والموت .....أعداء الحياة والإنسان ..تطهيره من دعاة الانغلاق والتعصب زارعي الحقد والفتن ...

اعتقد أن وصول الإسلاميين إلى مبتغاهم كان مرحلة ضرورية، لنكتشف ضحالة مشروعهم، هذا أن جاز لنا تسميته بالمشروع. ففيما خلا كرسي السلطة، لم يتمكنوا حتى الآن من تقديم مشروع واضح ومتكامل لدولة يؤسسونها، ولم نر برامج او خططا لحل مشكلات معقدة تعاني منها معظم الشعوب العربية من فقر وبطالة وأمية واحترام الفرد واحترام الفرص على أساس الكفاءة لا الولاءات.

لا ديموقراطية على الأرض ... فثمة ديموقراطية الأكثرية التي تجعل من الشعب أكثرية واقلية... هناك لعبة ديموقراطية عبر صناديق الاقتراع ... ما نحلم به اكبر وأنبل من لعبة الصناديق وكواليس السياسة... نطمح الى دولة مدنية يتمتع فيها الجميع بحقوق المواطنة وواجباتها في ظل قانون لا احد يقف فوق سطحه، يكون رجال الدين فيها داخل معابدهم فقط .

أنا ممن يؤمنون بفساد الرؤية العامة للاسلاميين، واراها تتحمل عبء اخفاقهم وفشلهم... ولا أرى الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سجلت بحق تجربتهم الا انعكاسا لفساد هذه الرؤية ...أو لنقل انه الدم الفاسد الذي بثوه في برامجهم فسرى باوصال المجتمع المؤسسية حتى أصابها بالمرض..لان رؤية، كرؤية الإسلاميين إلى مفاهيم القرن السابع او العاشر الميلادي، حتما ستفقد حياتها وحيويتها بفعل الزمن وعوامله المؤكدسة، فالمفاهيم التي تسكن العقل تكبر والهرم وتشيخ وتموت، وأن لم تكرم بدفنها تعرض العقل للخرف، حالها كحال خلايا الجسد حين حين يعتريها النضوب ويئين الموت لا تعود قادرة على بث الحياة والحركة في الأوصال. وعوضا عن إكرام هذا الخرف وفصله عن الممارسة السياسية، أصر الإسلاميون على الابقاء عليه، وتراءى لهم أن بث بعض مفاهيم الحداثة في خطابهم السلفي الماضوي من نوع المدنية، الديموقراطية، الشرعية الدستورية، سينجي حكمهم ...ولكنهم لا يعرفون أن رش أفخر العطور الباريسية لا يستطيع ان يمنع هبوب الرائحة الكريهة من الميت.....

لماذا فشل الاسلاميون في الحكم؟ ولماذا ينجحون؟ العالم تغير، والعالم العربي الإسلامي تغير كذلك. والتغير التاريخي، لا يشكل في حد ذاته ، حجة على ضرورة فشلهم ، لكنه عامل أساسي. " وضع الإنسانية " التاريخي الحالي، لم يعد مهيئا لقبول خضوع مطلق " لرقابة ايديولوجية "، حتى ولو كانت " دينية "، والإسلاميون لا يقترحون ، على المستوى السياسي والاجتماعي، شيئا آخر، الحرية لا تختزل بحرية الصلاة والصوم، والتجارة، حرية الشعوب اليوم عديدة ومتحركة . وهم لا يعرضون أمام الشعوب إلا حريات ساكنة وبائتة. أنها نوع من النكوص المطلق الذي لا يفي بحاجة احد من المواطنين . " الحريات الحديثة "، ويجب أن نصر على هذا التمييز، لا تشبه في شيء الحريات الإنسانية العتيقة، التي تدافع عنها حركات الإسلاميين السياسية . اليوم ، تحتاج الشعوب الى حرية المعتقد، وحرية السفر، وحرية التعبير، وحرية التغيير، وحرية تشكيل الاحزاب والنقابات والجمعيات والنوادي . أنها " الشعوب " بحاجة إلى حرية الفكر، وحرية الجسد، حرية المكان وحرية الزمان . والإسلاميون لا يعترفون بشيء من هذا، وإن فعلوا، فلا ضامن لمستقبل ، ولا نعرف ما هي حدودهم الحقيقية للحرية.

لنتعبد... ولنترك الاخرين يعيشون بحرية. والعدل أساس الملك  ولا عدل في المطلق. وبخاصة في المطلق الديني المحدد الوجهة والصفة مسبقا .