الأحد 24 نوفمبر 2024
فن وثقافة

هل مازالت هناك حاجة لاتحاد كتاب المغرب؟

هل مازالت هناك حاجة لاتحاد كتاب المغرب؟

انعقاد المجلس الإداري لاتحاد كتاب المغرب في نهاية مارس المنصرم، أعاد السجال والانتقادات التي توجه لهذه المؤسسة الثقافية إلى الواجهة. فقد كان النقاش شبه متوتر في هذا الاجتماع بين بعض أعضاء المجلس الإداري وأعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد، حيث أشار بعضهم إلى أن مسؤولي الاتحاد صاروا ينحرفون عن التوجه الذي كان لهذه المنظمة، ألا وهو خدمة الشأن الثقافي دون تحيز للاتجاهات السياسية والحزبية، وأن يتم «الاحتفاط بالمسافة الضرورية مع كل الفاعلين السياسيين»، وأن «لا يتحول الاتحاد إلى حلبة للتطاحن الحزبي» لأن القضايا الثقافية والفكرية هي القاسم المشترك بين كل أعضاء الاتحاد... ارتأينا فتح النقاش حول ما يجري داخل هذه المؤسسة الثقافية بطرح سؤال يتداوله بعض أعضائها، وهو: «هل ما زالت هناك حاجة ملحة لاستمرار اتحاد كتاب المغرب؟»...

 

إعداد: بوجمعة أشفري

 

ليلى الشافعي، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب

اتحاد كتاب المغرب استنفد دوره في ظل التحولات الجارية

إذا أردنا أن نتكلم بصراحة، فشخصيا لا أرى ضرورة لاستمرار وبقاء اتحاد كتاب المغرب. فقد تم التضخيم في اتحاد كتاب المغرب وإيلائه أهمية كبرى بالنظر لكونه جمعية للكتاب، وهؤلاء يناسبهم إضفاء قيمة على اتحادهم حتى يتم فرض القيمة الاعتبارية للكاتب من طرف السلطات والمجتمع. إنه دفاع عن سلطة رمزية يمتلكها الكاتب ولا يرغب في التخلي عنها. يمكن أن يفهم الوضع الحالي الذي يعيشه الاتحاد على أنه طبيعي، إذا استحضرنا تاريخ هذا الأخير، الذي كان في مرحلة ما جزءا من المعارضة في المغرب، وكانت مواقفه مشتعلة ضد المخزن وكل ما يمت إلى السلطة المركزية، رغم كونه لم يكن يعرف ديمقراطية داخلية، شأنه شأن جميع الفاعلين في المجتمع آنذاك. أعتقد أن تكالب عدد من الظروف هي التي دفعت السجال المثار حول اتحاد كتاب المغرب إلى طرح سؤال الوجود. فالمعطيات الدولية المرتبطة بالعولمة فضلا عن التحولات الداخلية مع تراجع الإيديولوجيات وتعويضها باهتمام أكبر باليومي، وتغير القناعة بالمثقف العضوي أو بدور المثقف الطليعي في صناعة التغيير، مع الإحباط الذي عرفته تجربة اليسار الجديد في المغرب. إن اتحاد كتاب المغرب ظهر في ظل نظام استبدادي حاول بسط هيمنته على المجتمع برمته. وقد لعب الاتحاد، وفي سياقات مختلفة، دوره بجدارة في مواجهة هذا النظام. وكان بطبيعة الحال مستقلا عن النظام، لكنه لم يكن مستقلا عن الأحزاب السياسية. الوضع الآن مختلف تماما. نحن في وضع آخر، في مرحلة انتقالية على مستوى التحولات الاجتماعية.. قطعنا أشواطا مهمة مقارنة مع سنوات الرصاص. نعيش اليوم مرحلة التعدد الثقافي. في بداية السبعينات والثمانينات لم تكن هناك جمعيات ثقافية كثيرة، اليوم تعدد حضور الجمعيات الثقافية والفاعلين الثقافيين والتظاهرات الثقافية الكبرى. كوني صحفية في القسم الثقافي لوكالة المغرب العربي للأنباء يسمح لي بالاطلاع يوميا وبشكل مسترسل على الكثير من أخبار الأنشطة والتظاهرات الثقافية، من الجنوب إلى الشمال، وهي أنشطة تكون إما على الصعيد المغربي أو المغاربي أو العربي أو الدولي. أعتقد أن اتحاد كتاب المغرب استنفد دوره في ظل هذا التعدد والتحولات الجارية. الدور الذي كان الاتحاد يلعبه على امتداد 50 سنة مضت، انتهى اليوم. أنا أعتقد أن على الكتاب أن يزيلوا من أذهانهم تلك الأوهام... فالاتحاد جمعية عادية... وعلى الكتاب أن يتمثلوه كذلك إذا أرادوا له أن يستمر، كما عليهم أن يتخلصوا من الأوهام التي تعشش في أذهانهم حول هذه الجمعية. يجب أن يتعامل الكتاب بعقلية أخرى، عقلية متفتحة وحداثية. عليهم أن ينظروا للبانوراما الثقافية وللتعدد التي ترشح بها الساحة الثقافية. انتهت الرؤية الأحادية. تلك التي ترجع لأنظمة ومراحل استبداد نعتقد أنها في طريقها إلى الزوال. نحن في بداية الديمقراطية، ويجب أن نتعامل في ظل مجتمع يرشح بجمعيات ثقافية. فأنشطة الاتحاد حاليا قد لا ترقى إلى أنشطة جمعيات في أقصى الهامش الثقافي (على سبيل المثال لا الحصر النشاط الأخير لنادي الهامش القصصي). وشخصيا أرى أن للاتحاد بعض الخيارات، فإما أن يتحول إلى جمعية خارج الأوهام السابقة تضاف إلى باقي الجمعيات الأخرى وتنظم أنشطة ثقافية وتعلن عن مواقف، وإما أن يتحول إلى مقاولة ثقافية، ويمكن في حينه التفكير في تمثل المنظور لهذه المقاولة، وإما أن نعلن عن وفاة الاتحاد، ويتم تسليم ممتلكاته البسيطة جدا لجمعية ذات نفس الأهداف (؟؟!!).

 

شعيب حليفي، عضو اتحاد كتاب المغرب

حان الوقت لفتح نقاش حول ذاكرة الاتحاد

إن العقود التي تلت استقلال المغرب وما أفرزته من مؤسسات ثقافية، بالمعنى الشمولي للثقافة، حيث الثقافي موصول بكافة الأوعاء والطموحات... كانت تجربة أساسية في بناء التصور العام لهويتنا المغربية-المغاربية والعربية والإنسانية. في هذا الأفق تأسس اتحاد كتاب المغرب، قبل أن يولد أغلب أعضائه الآن. ولأن الصراع كان وما زال على أشده فقد واجه الكتاب المغاربة من خلال هذه المؤسسة الكثير من القمع والتضييق والتشويه من خلال غياب سياسة ثقافية تعطي الكلمة للمثقفين وللثقافة. لقد أصاب اتحاد كتاب المغرب ما أصاب المثقف نفسه وما أصاب المؤسسات السياسية اليسارية من عياء وفقدان الأمل في التغيير الذي كان حلما قريبا وعلى مرمى نظر. اتحاد كتاب المغرب هو جزء من تلك المكونات، وما يعيشه في جزء منه طبيعي، وجزء آخر يعود إلينا نحن. أرى أن الجميع يعي أنها مرحلة انتقالية تحتاج منا إلى أمل خرافي لنقتنع أننا لم ننهزم أو أننا استسلمنا، مؤقتا، للكثير من اللعب والتوافقات التي تجري. الظروف تغيرت كثيرا ونحن لم نتغير إلا قليلا. لا بد أن نعيد النظر في أساليب العمل. كل الجمعيات تقوم بنفس العمل وتتداول المواضيع المكرورة والمألوفة. وأؤكد أن الحاجة إلى اتحاد كتاب المغرب ضرورية وملحة، لأنه ليس ذاكرة مؤسِّسة للقيم الثقافية النبيلة وإطارا للصراع فقط، ولكنه يمكن أن يقوم بأدوار جديدة مختلفة، حان الوقت لنفتح النقاش حولها بكل مسؤولية. 

 

الطاهر الطويل، عضو المجلس الإداري للاتحاد

قيادة الاتحاد أضحت أسيرة «عقدة تدني المطالب»

نعم، هناك حاجة لبقاء واستمرار اتحاد كتاب المغرب، بشرط أن يقوم مكتبه التنفيذي الحالي بوقفة مراجعة نقدية ذاتية، لمساءلة سبب وجود هذه المنظمة الثقافية وكينونتها وآفاق عملها. فعوض أن يشكل اتحاد كتاب المغرب قاطرة لطموحات أعضائه المتمثلة في المساهمة في التغيير من أجل مجتمع حداثي وديمقراطي، تكون ضمنه المعرفة حقّاً متاحا للجميع، وعوض المساهمة في الارتقاء بالأوضاع الاعتبارية للكتاب المغاربة وبمكانة الكتاب والقراءة؛ نجد الاتحاد قد أصبح مجرد جمعية كباقي الجمعيات، تنحصر مهمتها في تنظيم الأنشطة الثقافية هنا وهناك، ومزاحمة المكتب التنفيذي للفروع المحلية -بل والنيابة عنها- في إقامة الندوات واللقاءات الثقافية. يبدو أن الاتحاد -ومنذ بضع سنوات- ماض في التخلي عن أدواره الطلائعية، بعد عقود من التمترس في الخندق المعارض للسلطة وللمؤسسة الرسمية، إلى حد يجوز معه السؤال: هل أمسى اتحاد كتاب المغرب مجرد ديكور يؤثث المشهد العام في البلاد؛ ولاسيما بعدما «طبّع» علاقاته مع الكل تقريبا؟ وبدل أن يكون تطبيع العلاقات هذا (حتى إذا سلّمنا به تجاوزاً وبراغماتياً) في خدمة الثقافة المغربية والكتاب المغاربة والكتاب المغربي، وفي النضال من أجل سياسة ثقافية وطنية ومواطنة، وجدنا اتحادَنا يبدو كالحائر الذي لا يهتدي إلى سبيل، يخبط خبط عشواء في كل اتجاه. لقد صارت قيادة الاتحاد أسيرة «عقدة تدني المطالب»، بتعبير أحد كُتّابنا؛ ودليل ذلك، استنساخ ندوات ولقاءات ومناظرات أكل عليها الدهر وشرب، بالإضافة إلى الولع الشديد لرئاسة الاتحاد بالتقرب نحو المسؤولين المغاربة والعرب، من خلال موضة التوقيع على اتفاقيات «الشراكات» التي لا تنتهي... فهل من أجل ذلك أُسس اتحاد كتاب المغرب؟ أخلص إلى القول إن مسؤولية أعضاء المكتب التنفيذي ثابتة في الحرص على استقلالية هذه المنظمة الثقافية، وفي تقويم أي انحراف عن المسار قد تؤدي إليه نوازع ذاتية معينة.