الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

الغلوسي: حول المفارقة العجيبة والتمييز الواضح بين المواطنين في تطبيق القانون!؟

الغلوسي: حول المفارقة العجيبة والتمييز الواضح بين المواطنين في تطبيق القانون!؟ محمد  الغلوسي
ينص الفصل 73 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية على مايلي:"إذا ارتكب أحد الموظفين هفوة خطيرة سواء كان الأمر يتعلق بإخلال في التزاماته المهنية أو بجنحة ماسة بالحق العام، فإنه يوقف حالا من طرف السلطة التي لها حق التأديب …الخ ؛ويضيف نفس الفصل(وهو فصل طويل ) في فقرته الأخيرة مايلي :"على أن الموظف إذا أجريت عليه متابعات جنائية فإن حالته لا تسوى نهائيا إلا بعد أن يصير الحكم الصادرعليه من المحكمة التي رفعت لها القضية نهائيا ..الخ ".
 
واضح أن الموظف الذي تجرى ضده متابعة جنائية يتم توقيفه عن العمل فورا من طرف سلطة التأديب ، وغالبا ما يكون هذا التوقيف مصحوبا بتوقيف الأجر بإستثناء التعويضات العائلية ،ويبقى الموظف طيلة مراحل المسطرة القضائية التي قد تستغرق سنوات(إبتدائيا ،إستئنافيا ،النقض ) إذا ارتكب فعلا معاقب عليه بمقتضى القانون الجنائي معرضا لكل الآفات، ويصبح معطلا ومشردا؛ وهناك موظفون يعيشون ظروفا نفسية وإجتماعية قاسية، بمجرد تحريك المتابعة القضائية ضدهم ومنهم من باع المنزل الذي يقطنه مع أولاده!.
 
لكن، عندما تتم متابعة برلمانيا أو مستشارا بإحدى الجماعات الترابية من أجل تهم جنائية خطيرة تتعلق بإختلاس أموال عمومية أوالرشوة والتزوير وغيرها من التهم المشينة.. وقد تصدر أحكام قضائية ضدهم فإن الأصوات تتعالى بضرورة إحترام الأصل في المتهم وقرينة البراءة وأنه لايمكن منع البرلماني مثلا من ولوج المؤسسة التشريعية مادام أن الحكم غير نهائي !! ويستمر في تقاضي تعويضاته ،والإستفادة من كل الإمتيازات بما في ذلك تمثيل بلدنا خارجيا والحضور لقمم دولية وإلقاء الخطب حول الحكامة والنزاهة والديمقراطية ! بل إن منهم من يحضر كملاحظ ومراقب لسلامة الإنتخابات في إحدى الدول الإفريقية !.
 
هي مفارقة عجيبة وتمييز واضح بين المواطنين في تطبيق القانون، لذلك يتم  تشريد موظف بسيط بنص قانوني لمجرد متابعته قضائيا ولو بجنحة لها صلة بالحق العام ،بينما يستمر لصوص وناهبي المال العام في التمتع بنعم الحياة ويلجون للمؤسسات التمثيلية من بابها الواسع دون أي حرج وأمام الكاميرات في برلمان يحتضن لصوص المال العام والمرتشين والمتملصين من أداء الضرائب من سابع المستحيلات ،أن يفكروا في وضع نصوص قانونية تمنع المتابعين قضائيا من أجل جرائم مخلة بالثقة والشرف من الولوج للقبة الموقرة مع حرمانهم من كل التعويضات والإمتيازات التي يتمتعون بها. 
 
ولذلك فإن وضعا كهذا يسائل خطاب وشعارات الأحزاب السياسية التي ينتمي إليها هؤلاء المتابعين والمدانين قضائيا وشعبيا؛ خطاب سياسي يرتكز على التخليق والنزاهة والمصداقية ،فهل تكون لها الجرأة لمنع هؤلاء المتورطين في إختلاس وتبديد المال العام والرشوة من ولوج افتتاح البرلمان اليوم الجمعة ؟ أم أنها ستستمر في إضفاء الغموض والضبابية على الممارسة السياسية وتغليب المصالح الذاتية على المصالح العليا للوطن والإستمرار في تزكية الفساد والريع ؟.
 
محمد  الغلوسي / رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام