الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: طنجة المتوسط..الاستراتيجية الممكنة

إدريس الأندلسي: طنجة المتوسط..الاستراتيجية الممكنة إدريس الأندلسي
مغربنا الذي نريد.
القرارالسياسي في مجال الاقتصاد لا يمكن أن ينجح إذا لم يكن ذا بعد استراتيجي. وانطلاقا من هذا التأكيد، صار المغرب قطبا لوجيستكيا بفضل ميناء طنجة المتوسط وكافة مكوناته المتعلقة باللوجستيك وبالمناطق الصناعية وبالنقل الطرقي والسككي. نعم كلما مررت بمنطقة الميناء أشعر بكثير من الفخر والزهو أيضا وتنتابني في نفس الوقت حسرة كبيرة. الشعور بالافتخار منبعه التطور الكبير  والسريع الذي عرفه المركب المينائي وتوسعه المفرح الذي يمتد تقريبا من شاطىء الدالية إلى شاطىء القصر الصغير. هذا الشعور ينبع أيضا من إقبال شركات عالمية على اختيار هذا المركب المينائي كمركز توزيع سلعها إتجاه أفريقيا وآسيا  وحتى أوروبا. عشرات الآلاف من السيارات تعبر البحر لكي تصل إلى الأسواق انطلاقا من أكبر المصانع التي تقع في هذه المنطقة التي لن أتحفظ على كونها مباركة على الاقتصاد الوطني. الشعور بالحسرة ينبع من كون هذا الاستثمار الاستراتيجي لم يشكل بعد مثالا للجهات الأخرى للمملكة. 
سرعة الإنجاز والمهنية للمركب المينائي جعلت بلادنا تدخل أحد النوادي التي كانت إلى وقت قريب مقفلة على الدول النامية، ألا وهو نادي الدول ذات البنيات التحتية المينائية الكبرى والقادرة على المنافسة. يتذكر المتابعون للشأن الاقتصادي حرص ملك البلاد على برنامج تنفيذ البنيات وإصراره على محاسبة المسؤولين على تقدم الإنجاز. وقد عرفت الفترة التي غطت السنوات العشر الأخيرة توازنا كبيرا في التقدم في الإنجاز. وهذا ما أدى إلى تجدر موقع المركب المينائي طنجة المتوسط في خارطة الموانئ الكبرى في محيطنا الجغرافي.
ولا يمكن الكلام عن المنجزات دون اللجوء إلى الأرقام. تشير هذه الأخيرة إلى أن  حجم حركة السلع المحمولة في الحاويات قد يتجاوز عند نهاية سنة 2022  أكثر  من  100 مليون طن من  للسلع. وهو حجم يتجاوز ما تحققه كبريات المركبات  المينائية بحوض البحر الأبيض المتوسط  وعبر العالم. 
والأهم في الموضوع أن مداخيل هذا المركب المينائي تسير في إتجاه المناعة المالية التي تعني القدرة على مواجهة الديون وتمويل استثمارات التوسع  والتطوير. ولقد بينت أرقام  يونيو 2022 أن رقم المعاملات تجاوز حوالي  1،6 مليار درهم وقد يتعدى 3 مليار درهم في متم السنة مع العلم أن حجم مديونية المشروع  تتجاوز بقليل 10 مليار درهم.. وسيمكن للمغرب أن يسجل قريبا نتائج إيجابية سوف تتمثل في إسهام طنجة المتوسط في تمويل الميزانية العامة للدولة. و لكن الأهم هو الإستمرار في توسع المركب المينائي. ولأنه المثال،  فيجب أن يصبح النموذج لكافة جهات المغرب. 
ومن المعلوم بالضرورة في عالم الإقتصاد أن الاستثمار في البنيات التحتية من مطارات وموانئ وطرق وسدود ومحطات إنتاج الطاقة لا يمكن قياس مردودها إلا بنتائجها المالية والإقتصادية. والعارفون يعتبرون أن معدل العائد الإقتصادي،  وليس المالي فقط ، هو معيار النجاح.  المهم هو قياس الأثر الإقتصادي للمشروع  و قدرته على جذب الاستمارات كما حصل في طنجة المتوسط. لكل هذا يجب أن نفكر بمنهجية هذا المركب و التي كانت  ولا زالت إستراتيجية بامتياز. و بالطبع لا يمكن الأخذ إلا بمقاييسخلق فرص التشغيل وتكثيف إستعمال التكنولوجيا وتمكين إدارة المشروع من مواجهة أقساط الديون المرتبطة بتمويل البنيات وتأهيل المنطقة. وللتذكير قررت إسبانيا تحويل ميناء صغير في السبعينات، و هو ميناء الجزيرة الخضراء، إلى مركب ضخم. لكنها لما علمت بمشروع طنجة المتوسط حركت بعض الجهات للكلام عن الآثار البيئية لطنجة المتوسط. وهنا تأكد أن مشروعنا الكبير سيشكل طفرة نوعية بعد إنجازه. وهو ما يحدث في الوقت الحالي. 
لا أظن المتابعين للشأن العام في بداية الستينات لم يعرفوا ما كان مخططا لمنطقة الناظور. ولكن الضغط الخارجي ذو النزعة التي كانت تحن إلى الفترة الاستعمارية خلط الأوراق. وها نحن نسجل اليوم كيف تضغط الدول الأوروبية لكي تظل ممسكة بالقرار في مجالات الطاقة والبنيات الأساسية  و ربط التمويلات الدولية بالحصول على الصفقات ولو بأسعار غير منافسة. بلادنا التي حولت منطقة كانت مرتعا لتجار المخدرات إلى أشهر مركب مينائي  وصناعي و لوجيستكي في أفريقيا  وفي البحر المتوسط، يمكن أن تجدد هذا النجاح في كافة جهات المغرب. من الداخلة إلى الناظور ومن القنيطرة إلى العيون  ومن مكناس إلى مراكش، يمكن ربط جهاتنا بمشاريع ذات طابع إستراتيجي. نجاحنا في طنجة المتوسط خطوة في مسيرتنا نحو الاقتصادات الصاعدة.
التخطيط الإقتصادي هو هجوم على كل المعيقات  وعلى رأسها اقتصاد الريع  والرشوة  وغياب المنافسة  وغياب الكفاءة في بعض مراكز القرار  وغياب مثالية المؤسسات العمومية. نعم المثالية هي التطبيق الأمثل للمبادئ الدستورية التي تربط المسؤولية بالمحاسبة. والمحاسبة لا تعني فقط وضع الفاسدين أمام القضاء  و لكن أيضا محاكمة غياب الكفاءة أثناء إتخاذ القرار.