الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

خليل البخاري: الأزمة- الأوكرانية الروسية وتشكيل نظام عالمي جديد

خليل البخاري: الأزمة- الأوكرانية الروسية وتشكيل نظام عالمي جديد خليل البخاري
إن الأزمة بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا لم تكن وليدة الصدفة بل مخطط لها منذ مدة. ومن دوافعه الرئيسية أمريكا التي انفردت بالسيطرة على العالم بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي وانهيار منظومة الدول الاشتراكية في بداية تسعينيات القرن الماضي، فرضت هيمنتها وأصبحت بمثابة دركي العالم تتدخل في المناطق التي تراها نافعة لها وتلتزم بالحياد عندما تغيب مصالحها، كما انتهكت اتفاقات جنيف الرابعة لسنة 1948, بشأن حماية الاشخاص المدنيين في وقت الحرب، والقانون الدولي فيما يخص النزاعات بين الدول.
لقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة ما بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي لتوسع حلف الناتو العسكري الذي تهيمن من خلاله على أوروبا وتوسع دائرته شرقا بضم أوربا الشرقية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي بعد انهيار حلف وارسو حتى وصل بها الأمر الى أوكرانيا لتحكم. الحصار العسكري على روسيا الاتحادية، كونها تملك القوة العسكرية المنافسة للقوة الأمريكية خصوصا بعد النهوض الاقتصادي اللافت في روسيا والصين والأرجنتين والبرازيل وغيرها، مما يشكل منافسا قويا للاقتصاد الأمريكي في السوق العالمي.
ان الولايات المتحدة الامريكية تتشدق بحقوق الإنسان وبحق الشعوب في تقرير مصيرها، هي نفسها التي احتلت دولا وقتلت وشردت شعوبا وحاصرت دولا كما جرى ويجري في العراق، سوريا، أفغانستان،ايران، ليبيا، كوريا، اليمن وغيرها كما تستولي على منابع النفط العربي وتمول اسرائيل وتكرس احتلالها للأراضي العربية، وهي التي نقلت سفارة إسرائيل من تل أبيب الى القدس واعترافها بها كعاصمة لدولة الاحتلال واعترفت بضم هضبة الجولان السورية المحتلة منذ 1967 ، واستعمال حق الفيتو لصالح اسرائيل التي تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني وتزود اسرائيل بالعتاد العسكري المتطور.
ان القيادة الروسية ومن ورائها الصين، تدرك جيدا خطورة انضمام اوكرانيا لحلف الناتو، وتستعمل حاليا قوتها العسكرية للجم السياسات الأمريكية ولتعيد بلادها اي روسيا الاتحادية لدورها الفاعل دوليا بعد الأزمة الراهنة، لن يعود كنا قبلها ولن يكون لصالح الهيمنة الامريكية. وسيجري على ما يبدو ترسيخ نظام عالمي جديد لا يعترف بنظام أحادية القطب.
ان الذي يظن بان روسيا الاتحادية بقيادة بوتين، أخطأ في أنها ستقف مكتوفة اليدين تجاه تحول أوكرانيا الى حليف الناتو.
إن ما يجري بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا في الواقع، هو صراع بين منظومة القيم لدى الجانبين، جانب النموذج الليبرالي الغربي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وجانب الديمقراطية الروسية الموجهة. وقد ظل جزء مهم من المجتمع الأوكراني مدلعا بالغرب وليس بروسيا. فجوهر الخلاف بين روسيا الاتحادية والغرب هو عملية عسكرية تستهدف تغيير النظام المدني الأوكراني برمته.
ان المثير للانتباه، هو أن الأزمة الحالية بينت بالواضح، أن الغرب لن يقدم لأوكرانيا سوى الوعود أمام ترسانة روسية تقليدية وقوية.
لقد عجزت أوربا ومعها امريكا عن اثناء بوتين عن غزو اوكرانيا لا سيما وان بوتين هو من نوع القادة التاريخيين الذين لا يخيفهم الوعيد كنا أخفقت هيئة الأمم المتحدة في تجسير الهوة بين الإرادات المتصارعة. كما عجز حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية عن الردع العسكري المؤثر.
لقد أبانت الازمة الأوكرانية الروسية الحالية التي تحولت الى حرب غير متكافئة، على أن الغرب لا يعول الا على العقوبات الاقتصادية والتي سوف تنعكس على روسيا وعلى الاقتصاد العالمي برمته بدون شك . وفي المقابل، تركز روسيا الاتحادية على مصالحها القومية وتعزز نفوذها الدولي مع تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وتدافع عن نيل حصتها في إعادة تقسيم النفوذ الجديد وخروجها من حالة التعثر الذي ساد في عهد غورباتشوف ومن بعده بوريس يلتسين.
ان الروابط بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا مشتركة تاريخيا وحاضرا ومستقبلا خاصة في المجال الجيوسياسي الاستراتيجي لكن الجوار بينهما حد معقد ومتشابك بالرغم من الدعم الروسي لأوكرانيا سابقا.
هذه الأخيرة اي اوكرانيا، اعتقدت ان دعم الغرب وأمريكا خصوصا لها سيدفعها الى التمرد على الجار الروسي وعلى التاريخ والثقافة والقوة العسكرية الروسية.
في الواقع، ما يقع حاليا بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، يبين ان الولايات المتحدة الأمريكية في التسعينيات من القرن الماضي ليست هي امريكا في الوقت الحالي. وان روسيا الاتحادية في عهد بوتين ستعيد موقعها كقوة عظمى، وستدافع عن مجالها الاستراتيجي الحيوي وتحقق مطالبها القومية الأمنية بوقف ومنع تمدد وتوسع حلف الناتو.
نحن الآن، أمام تشكيل لنظام عالمي جديد، لا تهيمن عليه امريكا والدولار خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان مؤخرا وبعد ان تقهقرت قوة الامبريالية الأمريكية المنهكة في العالم بسبب حروبها غير المبررة في أفغانستان والعراق وسوريا، وصعود قوة الصين الاقتصادية وتنامي قوة روسيا الاتحادية العسكرية.
                                                   خليل البخاري، أستاذ مادة التاريخ والجغرافيا