كل من تتبع الخرجات الإعلامية للخبير الفلاحي العربي الزكدوني، أستاذ سابق بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، بقناة “ميدي1 تي في”، أو في موقع “أنفاس بريس”، إلا ويضع يده على قلبه مخافة أن يتحول البرنامج الحكومي لمحاربة الجفاف من مشروع لتطويق خسارة الفلاحين الصغار إلى مضخة لتسمين أباطرة القطاع الفلاحي وتعليف الشركات الكبرى المحظوظة العاملة في الزراعة التصديرية.
وإليكم الدوافع:
أولا: البرنامج الحكومي لمحاربة الجفاف حدد غلافا ماليا مهما قدره 10 ملايير درهم، لكن تفكيك بنية توزيع هذا الغلاف تكشف أن 60 في المائة من هذا الغلاف خصص لجدولة الديون أو التشطيب على جزء منها.
وحين نستحضر أن الفلاحين المنخرطين في العملية التمويلية ينتمون في الأغلب الأعم لفئة الفلاحين الكبار وللشركات القوية المنتشرة في المجال الفلاحي، آنذاك نفهم المسار التي قد تتخذها الوجهة الخاصة بالتمويل والجدولة. وبالتالي فإذا أسقطنا عددا محدودا من الفلاحين المتوسطين أو الصغار الذين لهم ديون منخفضة سنجد أن الفئة المستفيدة من هذا الغلاف لن تخرج من دائرة الفلاحين الكبار.
ثانيا: في أوج الإقرار بالجفاف وبتوالي مواسم شح الأمطار، أعلنت الحكومة في شخص الوزير نزار بركة، عن تبني برنامج لإنجاز 20 سدا كبيرا ومتوسطا ومجموعة كبيرة من السدود التلية في أفق 2027 بغلاف قدره 115 مليار درهم، في إطار ما يسمى البرنامج الوطني للماء.
المثير أن المغرب يتوفر حاليا على 146 سدا كبيرا و250 سدا تليا، وبالكاد تتمكن هذه المنشآت المائية من ملء بضعة أمتار مكعبة من الماء. فبسبب تغير دورات المطر بالمغرب وتحوله من بلد مائي إلى بلد يشكو ندرة الماء على مر العقود الماضية، لم يعد المغرب يستقبل سوى كمية قليلة من الماء لا تبرر ذاك “التسونامي” من السدود المبرمجة”، خاصة وأن السدود الحالية بالكاد تتوفر حقينتها على 5 ملايير و300 مليون متر مكعب بدل 19 مليار متر مكعب. أي أن نسبة ملء السدود حاليا لا تتجاوز 34 في المائة من طاقتها، علما أن المغرب كان يستقبل في المعدل 63 مليار متر مكعب في السنة في مطلع الستينات من القرن العشرين، وانتقلت اليوم إلى حوالي 12 مليار متر مكعب، فيما تشير دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي المنشورة في شتنبر 2019، إلى أن المغرب سيفقد 80 في المائة من موارده المائية بحلول 2045!!
ثالثا: رغم ضعف الموارد المائية، فإن السلطات المركزية بدل أن تضمن توزيعا عادلا للماء لتستفيد منه أوسع فئة من الفلاحين الصغار نجدها توزع 80 في المائة من الماء سنويا على الفلاحين الكبار المحتكرين للزراعة المسقية التي لا تشكل مساحتها سوى 1.600.000 هكتار، أي 16 في المائة من مجموع الأراضي القابلة للزراعة (9 ملايين هكتار). والفظيع أنه حتى هذه المساحات المسقية التي تحتكر 80 في المائة من مخزون المغرب، نجدها تتخصص في تلبية حاجيات الأوربيين عبر زرع الحوامض والبواكر للتصدير، ولا تهتم بالأمن الغذائي للمغاربة عبر زرع المنتوجات الحيوية الموجهة للاستهلاك الجماهيري وللفئات الهشة بالبلاد.
وحينما اعتمد المغرب برنامج “المخطط الأخضر” عام 2008 تمت زيادة “الشحمة في ظهر الحلوف”. أي أن أغلب اعتمادات المخطط الأخضر وجهت إلى الفلاحين الكبار (الزراعة المكثفة الموجهة للتصدير)، في حين خصص الفتات للفلاحة المعيشية أو التضامنية. ليس هذا وحسب، بل إن أصحاب الزراعة المكثفة لم يكتفوا فقط بابتلاع معظم الأغلفة المالية المخصصة للبرنامج وحسب، بل واستغلوا برنامج “المغرب الأخضر” ليعمقوا من مشكل استنزاف الماء وإنهاك الفرشة المائية غير القابلة للتجدد.
رابعا: القانون المالي يبني دوما توقعاته على ركيزتين أساسيتين: الأولى هي ثمن برميل النفط العالمي المستقر في حدود سعر معين، والركيزة الثانية هي الإنتاج الوطني للحبوب الذي يحتكر تقريبا حوالي نصف المساحة القابلة للزراعة، والأهم أنها أراض بورية وليست مسقية، بمعنى أن المغرب ظل لسنوات “يشري الحوت في البحر”، بحكم أن الأراضي البورية تعتمد بالأساس على سقوط الأمطار، وبالتالي لما ينحبس المطر يقع الجفاف ويصاب الاقتصاد بالكساد وتسقط آلاف الأسر القروية في مستنقع الهشاشة. ويسقط معها المغرب في الأزمة: عجز تجاري، انكماش اقتصادي بسبب ارتهان واضعي السياسة المالية على معطيين غير متحكم فيهما: فلما يرتفع سعر النفط ويحل الجفاف، تبطل كل التوقعات ويدخل المغرب في أزمة، وما يترتب عنها من اعتماد برنامج لتدبير الطوارئ والأزمات، وكأن قدر المغرب هو أن يبقى يعيش في دائرة الأزمة وتدبير الأزمة منذ 50 سنة خلت!!
وإليكم الدوافع:
أولا: البرنامج الحكومي لمحاربة الجفاف حدد غلافا ماليا مهما قدره 10 ملايير درهم، لكن تفكيك بنية توزيع هذا الغلاف تكشف أن 60 في المائة من هذا الغلاف خصص لجدولة الديون أو التشطيب على جزء منها.
وحين نستحضر أن الفلاحين المنخرطين في العملية التمويلية ينتمون في الأغلب الأعم لفئة الفلاحين الكبار وللشركات القوية المنتشرة في المجال الفلاحي، آنذاك نفهم المسار التي قد تتخذها الوجهة الخاصة بالتمويل والجدولة. وبالتالي فإذا أسقطنا عددا محدودا من الفلاحين المتوسطين أو الصغار الذين لهم ديون منخفضة سنجد أن الفئة المستفيدة من هذا الغلاف لن تخرج من دائرة الفلاحين الكبار.
ثانيا: في أوج الإقرار بالجفاف وبتوالي مواسم شح الأمطار، أعلنت الحكومة في شخص الوزير نزار بركة، عن تبني برنامج لإنجاز 20 سدا كبيرا ومتوسطا ومجموعة كبيرة من السدود التلية في أفق 2027 بغلاف قدره 115 مليار درهم، في إطار ما يسمى البرنامج الوطني للماء.
المثير أن المغرب يتوفر حاليا على 146 سدا كبيرا و250 سدا تليا، وبالكاد تتمكن هذه المنشآت المائية من ملء بضعة أمتار مكعبة من الماء. فبسبب تغير دورات المطر بالمغرب وتحوله من بلد مائي إلى بلد يشكو ندرة الماء على مر العقود الماضية، لم يعد المغرب يستقبل سوى كمية قليلة من الماء لا تبرر ذاك “التسونامي” من السدود المبرمجة”، خاصة وأن السدود الحالية بالكاد تتوفر حقينتها على 5 ملايير و300 مليون متر مكعب بدل 19 مليار متر مكعب. أي أن نسبة ملء السدود حاليا لا تتجاوز 34 في المائة من طاقتها، علما أن المغرب كان يستقبل في المعدل 63 مليار متر مكعب في السنة في مطلع الستينات من القرن العشرين، وانتقلت اليوم إلى حوالي 12 مليار متر مكعب، فيما تشير دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي المنشورة في شتنبر 2019، إلى أن المغرب سيفقد 80 في المائة من موارده المائية بحلول 2045!!
ثالثا: رغم ضعف الموارد المائية، فإن السلطات المركزية بدل أن تضمن توزيعا عادلا للماء لتستفيد منه أوسع فئة من الفلاحين الصغار نجدها توزع 80 في المائة من الماء سنويا على الفلاحين الكبار المحتكرين للزراعة المسقية التي لا تشكل مساحتها سوى 1.600.000 هكتار، أي 16 في المائة من مجموع الأراضي القابلة للزراعة (9 ملايين هكتار). والفظيع أنه حتى هذه المساحات المسقية التي تحتكر 80 في المائة من مخزون المغرب، نجدها تتخصص في تلبية حاجيات الأوربيين عبر زرع الحوامض والبواكر للتصدير، ولا تهتم بالأمن الغذائي للمغاربة عبر زرع المنتوجات الحيوية الموجهة للاستهلاك الجماهيري وللفئات الهشة بالبلاد.
وحينما اعتمد المغرب برنامج “المخطط الأخضر” عام 2008 تمت زيادة “الشحمة في ظهر الحلوف”. أي أن أغلب اعتمادات المخطط الأخضر وجهت إلى الفلاحين الكبار (الزراعة المكثفة الموجهة للتصدير)، في حين خصص الفتات للفلاحة المعيشية أو التضامنية. ليس هذا وحسب، بل إن أصحاب الزراعة المكثفة لم يكتفوا فقط بابتلاع معظم الأغلفة المالية المخصصة للبرنامج وحسب، بل واستغلوا برنامج “المغرب الأخضر” ليعمقوا من مشكل استنزاف الماء وإنهاك الفرشة المائية غير القابلة للتجدد.
رابعا: القانون المالي يبني دوما توقعاته على ركيزتين أساسيتين: الأولى هي ثمن برميل النفط العالمي المستقر في حدود سعر معين، والركيزة الثانية هي الإنتاج الوطني للحبوب الذي يحتكر تقريبا حوالي نصف المساحة القابلة للزراعة، والأهم أنها أراض بورية وليست مسقية، بمعنى أن المغرب ظل لسنوات “يشري الحوت في البحر”، بحكم أن الأراضي البورية تعتمد بالأساس على سقوط الأمطار، وبالتالي لما ينحبس المطر يقع الجفاف ويصاب الاقتصاد بالكساد وتسقط آلاف الأسر القروية في مستنقع الهشاشة. ويسقط معها المغرب في الأزمة: عجز تجاري، انكماش اقتصادي بسبب ارتهان واضعي السياسة المالية على معطيين غير متحكم فيهما: فلما يرتفع سعر النفط ويحل الجفاف، تبطل كل التوقعات ويدخل المغرب في أزمة، وما يترتب عنها من اعتماد برنامج لتدبير الطوارئ والأزمات، وكأن قدر المغرب هو أن يبقى يعيش في دائرة الأزمة وتدبير الأزمة منذ 50 سنة خلت!!