من المؤكد ألا يتفق أي أحد مع نشوب حرب في شرق أوروبا. وفي حالة نشوبها لا قدر الله، فسوف لن تنحصر على حدود روسيا وأوكرانيا وعند حدود بلغاريا وبولونيا ورومانيا، لا بل ستمتد لغرب وشرق أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن تورط دول أخرى علانية وبشكل مستتر. لأن العالم دخل فعلا عملية إعادة تقسيم النفوذ على كعكته الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية، وبالتالي تداعياتها على البشرية ستكون أكثر خرابا ودمارا، مقارنة مع نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية.
إن التطورات الخطيرة التي تشهدها حاليا الحدود الروسية الأوكرانية تتافقم يوميا. فالرئيس الأمريكي بايدن وحلفاؤه في حلف الشمال الأطلسي الناتو، يواصل إمداد أوكرانيا بصواريخ ستيغرا المضادة للطائرات وتعزيز قدراتها العسكرية، ويهدد بوتين بأن الولايات المتحدة الأمريكية على أهبة للتدخل ضد أي عدوان روسي على أوكرانيا؛ واكد بايدن لأوكرانيا التزام الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة ووحدة أراضي أوكرانيا.
إن روسيا ترفض انضمام أوكرانيا لحلف الشمال الأطلسي الناتو، لأن روسيا تعتبرها جزءا من كعكة العالم، ولأنها تمس الأمن القومي الروسي، وبالتالي لن تسمح روسيا لأمريكا اللعب في عقر دارها وعلى حسابها. في حين تعمل الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة لإغراق روسيا في مستنقع الحرب، وترسل أسلحة جد متطورة لأوكرانيا.
إن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالناتو يعملون جاهدين من أجل إشعال فتيل الحرب، ويستخدمون كل ما لديهم من ذرائع وسيناريوهات لإغراق شرق أوروبا في الحرب، في استباق لما قد تشهده دول العالم عموما والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص. ولهذا تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاك روسيا وتقليم أظافرها من الغاز والاتفاقات التجارية مع أوروبا، وحتى بلدان الخليج وإفريقيا.
للتذكير، فجذور الأزمة الأوكرانية الراهنة، تعود إلى التسعينيات من القرن العشرين، وبالتحديد إلى الضمانات التي قدمها الزعماء الغربيون إلى زعيم الاتحاد السوفياتي السابق غورباتشوف، وهي ضمانات تقضي بعدم تمدد خلف الناتو شرقا، مقابل توحيد ألمانيا وخروج دول وسط وشرق أوروبا من خلف الناتو.
إننا اليوم، أمام أزمة خطيرة يمكن أن تؤدي في أي لحظة إلى خرب عالمية ثالثة. فالتاريخ علمنا أنه مع هكذا أزمات يمكن أن تندلع الحروب المدمرة مثل الحرب العالمية الأولى التي كان سببها حادثة سراييفو، أي اغتيال ولي عهد النمسا فرانسوا فرديناند على يد طالب صربي يدعى برينسيب؛ والحرب العالمية الثانية التي اندلعت بسبب اجتياح قوات أدولف هتلر لأراضي بولونيا في 1 شتنبر 1939... ومن هنا وجب على المعنيين بالأزمة الروسية الأوكرانية إيجاد حلول دبلوماسية تحفظ السلم العالمي وتجنبه كارثة خطيرة.. حلول تقلل من مخاوف روسيا عبر تقديم الضمانات الضرورية لصون وحماية أمنها القومي مع الحفاظ على رغبات الشعوب بالاستقلال والسيادة.
كما ينبغي إعادة النظر لحلف الناتو الذي هو أحد مخلفات الحرب الباردة، لأن بقاءه بشرق أوروبا سيؤدي إلى التفكير بإنشاء حلف روسي صيني مع دول أخرى يقابله. هل نحن فعلا على أبواب حرب باردة؟
لذلك، من الواجب على المنتظم الدولي وفي مقدمته هيئة الأمم المتحدة، إيجاد حلول استعجالية للأزمة الروسية الأوكرانية، لأن تداعياتها العسكرية أمر مخيف للبشرية.
خليل البخاري، أستاذ مادة الاجتماعيات