الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

بنطلحة الدكالي :المغرب واستراتيجية ردع الخصوم

بنطلحة الدكالي :المغرب واستراتيجية ردع الخصوم محمد بنطلحة الدكالي
كتب "برنارد برودي" أحد واضعي الاستراتيجية النووية الأمريكية قائلا: " حتى الان كانت الغاية الأساسية لمؤسستنا العسكرية هي كسب الحروب،لكن من الان فصاعدا يجب أن يكون هدفها تفاديها".هكذا سار صانعوا السياسات الأمريكيين على خطى "برودي" واضعين الردع ومنع الخصوم من الهجوم في قلب الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية،لأن الحرب لن يخرج منها أي أحد منتصرا،وكما قال الرئيس الأمريكي ابان أزمة الصواريخ الكوبية "حتى ثمار النصر ستكون رمادا في أفواهنا".ان استراتيجية الردع هدفها ثني الخصوم عن القيام بعمل لم يبدأ بعد ،من خلال التهديد بالانتقام أو اجباره على القيام بشئ تريده دولة ثانية، حيث أن الاستراتيجية العسكرية لم يعد من الممكن تعريفها على انها علم الانتصار العسكري، بل اصبحت تدخل ضمن فن الاكراه والتخويف والردع،ولقد عرف الجنرال الفرنسي"أندريه  بوفر" الردع على أنه "منع دولة معادية من اتخاذ قرار باستخدام أسلحتها أو بصورة أعم منعها من العمل أو الرد إزاء موقف معين باتخاذ مجموعة من التدابير والاجراءات التي تشكل تهديدا كافيا حيالها".ومن أبرز الكتاب الاستراتيجيين الأمريكيين في نظرية الردع "بول هات" يعرف الردع على أنه: "محاولة من صانعي القرار في دولة ما لاجبار صانعي القرار في دولة أخرى على التجاوب مع مطالب ومصالح الدولة الأولى".ونجد أن استراتيجية الردع تقوم على تغيير حسابات الخصم للتكلفة والفوائد والمخاطر وتسمى هذه الاستراتيجية بردع الحرمان،أو قد يستطيع اقناع خصومه بأن انتصارهم سيكون مكلفا وتسمى هذه الاستراتيجية بردع العقوبة.ويمكن أن تندرج سياسة الردع في فئتين عريضتين: منع هجوم مسلح ضد أراضي الدولة(المعروف باسم الردع المباشر) أو منع هجوم مسلح ضد دولة أخرى(يعرف بالردع الموسع).  ان منع نشوب الحرب ليس الهدف الوحيد للردع، بل يجب أن تكون الدول المدافعة قادرة على مقاومة المطالب السياسية والعسكرية لدولة مهاجمة محتملة، كما أن الدول المدافعة تحتاج الى القدرة العسكرية للاستجابة وبقوة لمجموعة من الحالات الطارئة، لأنه غالبا مايفشل الردع اذا قللت الدولة المدافعة أو المهاجمة من تقديرها أو بالغت في تقديرها لقدرة الطرف الاخر على اتخاذ مسار معين،لذا يجب معرفة الخصم معرفة جيدة، وتجميع المعلومات الدقيقة الخاصة به، والعمل على تحسين القدرات البشرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية...وضرورة تقوية الالتحام الشعبي واذكاء الروح الوطنية، وترسيخ الاعتزاز بالهوية والانتماء للوطن. ويعتمد منطق الردع كذلك أن يضع في الحسبان ماتشير اليه أبحاث في علوم الادراك، أن بعض الخصوم السياسيين يميلون الى المخاطرة في مواجهة الفشل في بيئة شديدة العدوانية، أو أن الخصم الذي يواجه خطرا احتمال اندلاع أزمة داخلية،  قد يرى أنه من الأسلم له أن يبدأ بالهجوم...اذ توصلت البحوث في العلوم الادراكية أن البيئة الثقافية والاجتماعية للمرء لها تأثير كبير على عملياته الادراكية ، من بينها الكيفية التي يفهم بها الناس الانصاف أو التكلفة أوالمنفعة أو المخاطر، لذا يجب على صناع استراتيجيات الردع التفكير مليا في سيكولوجية اتخاذ القرار من طرف الخصوم في ظروف الخطر كما يجب استحضار نظرية المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية،خاصة في ظل أنظمة اللامؤسسات ،أي انظمة شمولية وعسكرية، مثل النظام الجزائري الذي يسيره جنرالات يتوهمون بنرجسية مفرطة أنهم يشكلون قوة اقليمية ضاربة لاتقهر، حيث دخلوا في هذيان جماعي تجاه المملكة المغربية وقاموا بتهديدات غير محسوبة النتائج ، تجاوزت كل الأعراف الديبلوماسية في العلاقات الدولية، لاسيما ضوابط علاقات حسن الجوار، مدعمين حركة انفصالية تسعى الى تقسيم المغرب، مطلقين مجموعة من التهديدات الغير مباشرة والمستفزة واللامسؤولة في محاولة لاستدراج بلادنا في أزمات جانبية ، في ظل محيط اقليمي مضطرب،تتحرك فيه أيادي خفية وخلايا نائمة.في ظل هذا الوضع نهج المغرب استراتيجية ردع لكبح جماح كل المخططات المعادية قبل أن تصل الى مرحلة التنفيذ، وهي استراتيجية تتوافق مع مبادئ العلاقات الدولية، قوتها تكمن في تطوير القدرات العسكرية، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته لوضع حد لأي تهديدات خارجية تعد في نظر القانون الدولي اعلان حرب.ان المملكة المغربية تسعى الى تحقيق تفوق عسكري اقليمي في ظل تحالف استراتيجي قوي، والرفع من قدراتها القتالية وامتلاك منظومة تسليحية متطورة، من أجل فرض توازن عسكري،وحتى يمكن كذلك للجيش المغربي العتيد الذي له تاريخه وتجاربه وحرفيته في الداخل والخارج،أن يساهم في لعب دور مهم في حل الازمات الاقليمية التي تعاني منها دول المنطقة.ان تقوية الترسانة العسكرية المغربية فرضته التحديات الخارجية والاقليمية،لذا وقع المغرب اتفاقيات دولية عديدة في مجال الصناعات العسكرية حيث يمكنه الى جانب اقتناء الأسلحة ، شراء براءات الاختراع لأسلحة دفاعية من أجل العمل على تطوير صناعة عسكرية محلية من خلال تبادل الخبرات والتجارب ومواكبة التطور المتسارع في ميادين الامن والدفاع.لقد أظهر الأمر اليومي الذي أصدره الملك محمد السادس للقوات المسلحة الملكية بمناسبة الذكرى 63 لتأسيسها الكثير من الاشارات على عزم الجيش المغربي الدخول لمرحلة التصنيع العسكري والبحث العلمي والتطوير الذاتي للصناعات العسكرية، حيث أن المغرب يسعى لبناء استراتيجية بعيدة المدى في المجال العسكري تسليحا وتدريبا وتصنيعا متحليا بنظرية " الردع بالاطمئنان" وفحواها ايصال رسالة طمأنة للخصم بأنه لايريد من تطوير قدراته التسليحية الا أغراضا دفاعية وهاته الاستراتيجية يتوقف نجاحها طبعا على قوة الرادع وفي نفس الوقت مدى واقعية المردوع....
 
 محمد بنطلحة الدكالي/ مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء