يحيي المغرب، في نونبر 2021، ذكرى مرور سنة على تطهير معبر الكركرات من عصابة البوليساريو على يد القوات المسلحة الملكية، وسيكتسي الاحتفال بهذه الذكرى هذه السنة طابعا خاصا لعدة اعتبارات:
أولها: ارتفاع منحنى التبادل التجاري بين المغرب والدول الإفريقية. إذ في الأشهر الستة الأخيرة فقط ارتفع بنسبة 19 في المائة. وما كان لهذا الرواج أن يتحقق لو لم تتمكن قواتنا المسلحة الملكية من تأمين التجارة وتنقل الأشخاص والبضائع عبر معبر الكركرات.
ثانيها: أن المغرب أمكن له، بفضل ذلك التطهير، من التسريع بمشروع كان خاملا، ويتعلق بربط الكركرات بالشبكة الكهربائية الوطنية. علما بأن هذا الربط ليس من باب العبث، بل هو مقدمة لتحقيق تواصل كهربائي ما بين المغرب وعمقه الإفريقي.
ثالثا: أن عملية تطهير معبر الكركارات من عصابة البوليساريو، ساهمت في إخراج مشروعين مهمين هما: المنطقة الاقتصادية بئر كندوز والمنطقة الاقتصادية الكركرات، علما بأن كل واحدة منهما تبلغ 30 هكتارا، وينجز هذين المشروعيت ما بين المغرب وغرفة التجارة الفرنسية.
إن ما يجعل المرء يتوهج انتشاء بمرور سنة على تطهير معبر الكركرات، هو إعطاء الانطلاقة مؤخرا لإنجاز أحد أكبر الموانئ في القارة الإفريقية، ألا وهو ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيقلب وجه المنطقة رأسا على عقب، وذلك ليس فقط بالنسبة لأقاليمنا الصحراوية، ولكن بالنسبة للمغرب ككل، وذلك تقديرا لبعدين أساسيين:
الأول: يتجسد في نموذج طنجة التي كانت تقريبا منطقة منكوبة لكن حين قرر المغرب احتضانها لميناء طنجة المتوسط تغيرت مورفولوجية طنجة بل والشمال المغربي ككل.
البعد الثاني: يتمثل في كون ميناء الداخلة الأطلسي سيكون مسنودا بمشروعين استراتيجيين:
الأول هو المنطقة الصناعية التي ستكون مدمجة بالميناء في حدود 1000 هكتار( وللعلم فهذه المساحة ليست بالأمر الهين فهي تمثل عشر مساحة الرباط)، وهذا ما يفسر لماذا تتسابق القنصليات من مختلف البلدان الإفريقية والغربية على التواجد في الأقاليم الجنوبية، لأن تلك القنصليات تقدر قيمة الرأسمال والاستثمار والربح الذي سيجنى بعد اكتمال مشروع ميناء الداخلة في 2027 او 2028 على أبعد تقدير.
الأول هو المنطقة الصناعية التي ستكون مدمجة بالميناء في حدود 1000 هكتار( وللعلم فهذه المساحة ليست بالأمر الهين فهي تمثل عشر مساحة الرباط)، وهذا ما يفسر لماذا تتسابق القنصليات من مختلف البلدان الإفريقية والغربية على التواجد في الأقاليم الجنوبية، لأن تلك القنصليات تقدر قيمة الرأسمال والاستثمار والربح الذي سيجنى بعد اكتمال مشروع ميناء الداخلة في 2027 او 2028 على أبعد تقدير.
ثم هناك المشروع الاستراتيجي الثاني الذي يرتبط بميناء الداخلة، ألا وهو مشروع تحلية مياه البحر الذي أكمله المغرب تقريبا، والذي سيسمح بسقي 5000 هكتار بجهة الداخلة، وهو المشروع الذي سيحول المنطقة هناك إلى سلة غذائية لا للأقاليم الجنوبية أو للمغرب فقط، ولكنه سيجعل الداخلة هي السلة الغذائية للدول الإفريقية، وهذا ما يدفعنا لنرفع سقغ الحلم.
إننا إذا رجعنا، من باب إنعاش الذاكرة، إلى الخطاب الملكي في ذكرى عيد المسيرة لسنة 2019، فسنجد أن الملك محمد السادس كان قد كشف أن المعطيات الجغرافية قد تبدلت، منذ استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، بحيث لم نعد نقول، على سبيل المثال، إن الرباط يوجد بوسط المغرب، أو إن أكادير توجد بجنوب المغرب، بل صرنا نقول إن الرباط مقيم بشمال المملكة، وأكادير بوسطها. ولهذا يتعين علينا، نحن كمغرب، أن نحيي فكرة لها بعد تاريخي واستراتيجي الغاية منها أن نجعل من الداخلة هونغ كونغ، أو سنغافورة، أو شنغهاي القارة الإفريقية.
قد يقول قائل إن مثل هذه الفكرة مجرد حلم، والحال أن جميع الأفكار والأوراش والمشاريع الكبرى في كل الدول كانت أحلاما في الأصل. لننظر إلى الصين، ألم تراودها، ذات حلم، فكرة إحياء طريق الحرير، وقد عملت فعلا على جعل الحلم حقيقة بعد أن كان الإعلام الغربي يتندر على طموحها الذي كان يبدو بلا حدود. لكن ها هي الصين تجني اليوم الثمار وتتربع على عرش الاقتصاد العالمي، ولم يعد بإمكان أي دولة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، أن تزحزحها عن ذلك العرش.
فلماذا لا نقتدي بالحلم الصيني، فنقوم نحن كمغاربة، بإحياء طريق القوافل التي كانت ممتدة، في عصر الموحدين، بين المغرب والدول الإفريقية، ونضع لتحقيق ذلك مونطاج مؤسساتي ومالي يضمن تحقق الفكرة – الحلم؟
ولنا ما يزكي ذلك بمبررات معقولة، فالمغرب هو البلد الوحيد الذي زار أكبر عدد من الدول الإفريقية - في شخص الملك محمد السادس- الذي قام بأزيد من 50 زيارة بهذا الخصوص لمختلف دول القارة السمراء. والمغرب كذلك هو البلد الوحيد الذي أبرم أكبر عدد من الاتفاقيات مع مختلف شركائه في إفريقيا بحيث أبرم المغرب لحد الآن أكثر من 1000 اتفاقية مع شركائه الأفارقة.
من هنا تأتي وجاهة ونجاعة فكرة إحياء طريق القوافل بين المغرب وإفريقيا، بهدف جعل الداخلة فعلا شنغهاي القارة السمراء.
ولم لا !؟