في الدول المتمدنة، يعد منصب زعيم الحزب ( أكان الحزب في الأغلبية أو في المعارضة)، بمثابة حمل ثقيل، لكن بالمقابل نجد المجتمع يمنح لزعيم الحزب وضعا اعتباريا جد عال، بالنظر إلى أن الزعيم الحزبي يكون هو المشرف على هيأة سياسية تغذي مختلف دواليب الدولة( حكومة وبرلمان ومجالس تمثيلية وإدارات ومكاتب ومرافق)، بالموارد السياسية والإدارية والتقنوقراطية المدربة على إدارة الشأن العام.
من هنا نفهم أن المرء لما ينتخب زعيما للحزب ( خاصة في الدول الإسكندنافية والأنجلوسكسونية)، يتفرغ لهذه المهمة ( التي تعادل مهمة رئيس دولة)، ولا يتزاحم ليجمع ويراكم مهاما تمثيلية أخرى( وزير، رئيس جماعة، سانديك عمارة، رئيس تعاونية، رئيس جمعية آباء التلاميذ، الخ...).
الغاية من ذلك، تجويد العمل الحزبي ولكي يتفرغ الزعيم لتتبع كل شؤون الهيأة الحزبية: محليا ووطنيا وتحالفات الحزب دوليا من جهة، والسماح لنخب أخرى بتقلد مهام تمثيلية بما يرضي طموحات المنتمين للحزب من جهة ثانية، وإيمانا بأن المردودية لا تستقيم بتجميع كل السلط والمهام في يد شخص واحد من جهة ثالثة.
في المغرب، ويا أسفاه، لما يرغبون في فرض ضرائب أو قوانين مجحفة على الشعب، نجد السياسيين عندنا يشهرون نموذج الدول الاسكندنافية والأنجلوسكسونية لإقناع المواطنين بوجوب الخضوع لهذه القوانين الظالمة، ولما يتعلق الأمر بكيفية تدبير شؤون الأحزاب والدولة نجدهم يقتبسون نموذج الجزائر وكوريا الشمالية، حيث زعيم الحزب "كيبلاصي" في "بنتو ومو وختو وجداه وعمة للي مرضعاه"، وكيجمع كل المهام بين يديه، وكأنه هو "بوحدو للي قاري فوق الباك ووحده مضوي لبلاد" !!
فاللهم أرسل إلينا ملك الموت ليشفط الزوائد والشحوم من مشهدنا الحزبي والسياسي، عسى أن تنبث في تربتنا نخبة "فاهمة" ونخبة "تساير العصر" !