الاثنين 25 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عزيز لعويسي: طـارت معـــزة

عزيز لعويسي: طـارت معـــزة
الملك محمد السادس، خصص حيزا مهما من خطاب الذكرى22 لتربعه على العرش، للعلاقات المغربية الجزائرية، وجه من خلاله رسائل مفتوحة لاتحتاج إلى تأويــل أو تفسيــر، إلى قادة الجزائر وفاء لسياسة "اليد الممدودة"، داعيا إياهم إلى تجاوز رواسب الماضي وتخطي أسباب الخلاف والنفور والجمود، باستحضار صوت العقل وعين الحكمة وتقدير لغة المصالح العليا المشتركة، بما يضمن بناء علاقات ثنائية جديدة وواعدة، مبنية على ما يجمع البلدين الجارين من أخوة وتاريخ مشترك وحسن جوار، وعلى ما يتطلــع إليه الشعب المغربي وشقيقه الجزائري من حق مشروع في فتح الحدود وتبادل الخيرات والمنافع و إدراك التنمية الشاملة والعيش المشترك في محيط آمن ومستقر.
في هذا الإطار، وبقدر ما ننوه ببعض المواقف العاقلة الصادرة عن بعض الأشقاء الجزائريين ومنهم صحافيين ومحللين سياسيين وناشطين فيسبوكيين، الذين استقبلوا الخطاب الملكي بما يلزم من القبول والترحاب والارتياح، إيمانا منهم أن المصالح العليا لابد أن تسمو فـــوق كل الاعتبارات، بقدر ما نتأسف علـى الحملة الإعلامية المسعورة التي انخرطت فيها عدة منابر إعلاميــة جزائريـة، واجهت المبادرة الملكية بالرفض والإدانة والحذر والتشكيك والاتهــام والتبخيــس، وسط صمت رسمي، يقـوي الإحسـاس بأن "عقيدة العــداء الخالد" أقوى من أن تحركها أو تزحزحها مبـادرة عاقلة أو خطاب مسؤول ينظـر إلى المستقبل نظـرة محبـة وأمل وتفــاؤل وأمن وسكينة وازدهــار، كما يقوي الإحساس في أن التمــادي في النظر إلى الماضي، أقــوى من أن يغيــر عقليـات برمجت منذ عقــود على تطبيقـات الحقد والضغينة والتحــرش والابتزاز والاستفزاز، وأقوى من أن تنظـر إلى "اليد الممــدودة" إليها، نظـرة عاقلـة ومسؤولـة وحكيمة، تستحضـر "فاتــورة الحقـد" على أحقيـة الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري في الوحدة والتعاون والتنمية والرخاء والعيش المشترك في فضــاء آمن ومستقـر ومطمئـن.
حكام الجارة الشرقية، ينطبق عليهم للأسف، المثل الشعبي القائل " ولو طـارت معـزة"، وهــو مثـل يضرب على المكابر والعنيد الذي يصر على رأيه وموقفه وعناده، ولو تبيــن له أنه على خطـأ، وأصل المثل كما يحكى، أنه وفي يوم من الأيام "خـرج رجلان إلى الصيد، فشاهدا سوادا من بعيد، فقال الأول إنه غراب، بينما الثاني أصر أنه معـزة، فاتفقا أن يرميـاه بحجر، فإن طار فهو غراب، وإن بقي فهو معزة، فرمياه فطـار، فســارع الأول إلى القول : ألم أقل لك إنه غــراب ..، فرد عليه المكابر والعنيد بالقـول : معزة .. ولو طارت معزة"، ونرى أن هذا، هو واقـــع حال من يتحكمون في أزرار السياسة الجزائرية، يصــرون على المزيد من العناد والنفاق والكذب والبهتان وإخفــاء الحقائــق وادعـاء المظلوميـة، وبذلك، يصعب إقناعهم أن التاريخ قد تجاوزهم بكثير، وأن رهانهم على العداء الخالد للمغرب ولوحدته الترابية، لن يكـون إلا رهانا خاسـرا، ويتعذر إخراجهم من رواسب الماضي، وجعلهم يؤمنـون أن المصالح العليا للشعوب تسمو فـوق كل الاعتبـارات.
وبعنادهم غير المبـرر، يصدون أبواب الأمل، ويغتالـون رغبات الشعبين المغربي والجزائري في الأمن والعيش المشترك والتعاون والنماء والرخاء والازدهـار، وقبل هذا وذاك، يستنــزفون الطاقات والقدرات الذاتية لاستهداف المغرب والتحرش بوحدته الترابية، بدل استنزافها في إنتاج الأمل وصناعة السلام وإدراك ثمـار التعاون المشترك والتنمية الشاملة، علـى أمل أن يقلعوا عن عاداتهم السيئـة، ويعترفـون بروح رياضية، أن الذي طـار، كان "غرابا" وليس "معـزة"، كما يصـرون بعنـاد حـاد عصي على الفهم والإدراك ... و"المعزة " هي مرادفة للحقيقة والواقعية والمصداقية والمسؤولية وحسن النيـة والعقل والحكمة والتبصـر ولغـة المصالح المشتركة، وفي جميـع الحالات، فالمغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، ولن يقف أمام المغرب لا "غراب" ولا "معـزة"، وهو يخطو في اتجاه إدراك التنميـة والازدهـار، وجني ثمـار رهانات الصداقة والأمـن والسلام والتعـاون المشترك ... عسـى أن تجـد "اليد الممـدودة" في الجارة الشرقيـة، عقلــاء وحكمـاء على استعداد لصناعة الأمل والسـلام والتنمية والعيش المشترك، بمسؤولية ومصداقية وحسـن نيــة، بعيدا عن منطـــق " معـزة .. ولو طارت معـزة" ...