الأحد 24 نوفمبر 2024
في الصميم

حكومة تزكية المرشحين القتلة وناهبي المال العام

حكومة تزكية المرشحين القتلة وناهبي المال العام عبد الرحيم أريري

لما اغتيل الرئيس الأمريكي كينيدي عام 1963، ازداد منسوب الجرعة لدى الرأي العام الأمريكي في الحق في معرفة كل ما يهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا الحق في معرفة أين سيذهب ومتى سيخرج ولماذا تنقل ومن رافقه في التنقل، وبأي وسيلة تنقل ومن سيتولى حمايته في خرجاته.

 

طبعا الأمريكيون ليس لهم الوقت أو الإمكانية الفيزيقية لأجرأة هذا الحق، فتم التوافق حول آلية راقية تتمثل في توسيع هامش الصحافيين وهامش وسائل الإعلام. وذلك بإعادة النظر في وظيفة الصحافيين المعتمدين لدى البيت الأبيض، إذ أصبح لكل الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإلكترونية مندوب يمثلها في البيت الأبيض يتتبع كل تحركات الرئيس لضمان حق المواطن الأمريكي في المعلومة، وهي الضمانة التي يجسدها تنوع وسائل الإعلام وتباين توجهاتها وخطها التحريري.

 

في المغرب يمكن أن نقيس الوضع بما بعد دستور 2011 الذي أحدث وثبة على ثلاثة مستويات:

 

المستوى الأول: أن المؤسسة الملكية لم يعد لها هامش تعيين سائق الملك (والعهدة على المرحوم الحسن الثاني) رئيسا للحكومة، بل أصبح هذا الأخير يختار من الحزب الذي احتل الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.

 

المستوى الثاني: أن الشأن الحزبي لم يعد مغلوقا أو ممنوعا على المواطنين تتبعه، بل أصبح الشأن الداخلي الحزبي (أيا كان لون الحزب) حقا لكل مواطن، لأن رئيس الحزب قد يصبح هو المقرر في السياسة العامة للبلاد غدا في حالة فوز هيئته بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وبالتالي من حق المواطنين معرفة كيف يصنع الرئيس المقبل للحكومة ومن هم رجالاته، وما هي انشغالاته وتصوراته وأهواؤه وميولاته وإشراقاته وعيوبه، بل ومعرفة حالته الصحية، وهل هو قادر عقليا وجسديا على إدارة شؤون الدولة أم لا.

 

المستوى الثالث: دستور 2011 قام بدسترة الحق في المعلومة، وهو الحق الذي ناضل الشرفاء بهذا البلد لعقود، كي يتم تأمين أبسط حق من حقوق الإنسان ألا وهو تمكين المواطن من المعلومات ليتسنى له اتخاذ القرار الصائب.

 

للأسف، بقدر ما كان اغتيال كينيدي نقمة أثمرت نعما كثيرة على الشعب الأمريكي، وعلى رأسها تحصين الشعب بدروع بشرية وإعلامية ضد كل إشاعة أو تسريب مخدوم، بقدر ما كان دستور 2011 عندنا نعمة للحكومة ونقمة على الشعب المغربي الذي صوت عليه.

 

فرغم أننا على أبواب انتخابات 2021، فلحد الساعة، مازالت حكومة العثماني تتلكأ في التجاوب مع مطلب الرأي العام بسن نصوص تحول دون عودة ترشيح البرلمانيين والمنتخبين الحاليين المتهمين بارتكاب جنايات أو جنح تخص التورط في جرائم قتل أو الاختلاس أو تبذير المال العام. وبدل أن تكون للحكومة الجرأة في إصدار هذه النصوص نراها تختبئ وراء «قرينة البراءة»، و"استقلال السلطة القضائية"!!

 

صحيح، أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وصحيح أن المغرب اختار طريق «دولة المؤسسات» التي تحتكم للوثيقة الدستورية المؤطرة للعلاقة بين السلط. لكن هذا الدفع لا يصمد أمام الجانب الأخلاقي المرتبط بوجوب نقاء ذمة من يود الترشح لمهم انتدابية (بغرفتي البرلمان أو عضوية مجلس ترابي)، خاصة وأن حالات كثيرة لبرلمانيين ورؤساء جهات وجماعات، ظهر فيها أن هؤلاء السياسيين المتابعين قضائيا بالمغرب كانوا يستقوون على القضاء بحصاناتهم الحزبية والسياسية والتمثيلية، ويجيشون الأتباع والأنصار لتسييس الملفات والتشويش على مجريات المحاكمات، بدل أن يستقيلوا من مهامهم الانتدابية لتصفية ذمتهم والعودة للمشهد السياسي بشكل طاهر وصاف.

 

هذا التذبذب الذي اختارته حكومة العثماني لا ينتج إلا الغموض والإشاعات ولا يخدم الوضوح وبناء المؤسسات...