الأحد 24 نوفمبر 2024
في الصميم

لنقطع مع سوسة الشناقة بالمغرب

لنقطع مع سوسة الشناقة بالمغرب عبد الرحيم أريري
لم يكن للخيانة حجم كبير في تاريخ المغرب المعاصر، لا على مستوى التأثير في الواقع، ولا على مستوى المساحات في الزمن والمكان. وإذا اكتفينا فقط بالخط الزمني المسترسل منذ بداية القرن العشرين، وما تلاها من أحداث، وضمنها توقيع عقد الحماية إلى فجر الاستقلال، فسنجد أن أبرز الأسماء التي خانت الشرعية السياسية القائمة، أو تآمرت على  التراب الوطني كانت لا تتجاوز عدد رؤوس الأصابع، ومن بينهم الروكي بوحمارة الذي انتفض ضد الملك المولى عبد العزيز مدعيا حقه الشرعي في السلطان، وأحمد الريسوني الذي أعلن التمرد في نفس الفترة معلنا استقلاله بالحكم  بمناطق جبالة في الشمال، ثم محمد بن عرفة الذي انتدبه الاستعمار الفرنسي ليحتل السلطة الشرعية بعد نفي المغفور له محمد الخامس في 20 غشت من سنة 1953.
مع تحقق مطلب الاستقلال تغيرت السياقات بالنظر إلى التفاف المغاربة في السنوات الأولى خلال حكم المرحوم محمد الخامس (1956ـ 1961) حول مشروع بناء المغرب المستقل، حيث بدت لحمة التماسك تحيط بمبدأ الوحدة. لكن الأمور ستجد بعد تسلم ولي العهد دفة الحكم. كان الحسن الثاني في الطرف الأول يحاول تثبيت مرحلة حكمه بتبني خط الاستفراد، معتمدا على شرعيته الوطنية والتاريخية، في مواجهة أقطاب الحركة الوطنية الذين كانوا يتمتعون بنفس الشرعية، ويطمحون إلى اقتسام الحكم. ومن هناك دخل الصراع أوجه مع الاتحاديين، خاصة بعد اندلاع ما سمي بمؤامرة يوليوز 1963 ، ثم بعد انتفاضة مارس 1965، وما نتج عن ذلك من سلسلة من الاعتقالات، والالتجاء إلى المنافي، ومصادرة حريات الرأي والتجمع، وإعلان حالة الاستثناء. وهو الوضع الذي أزم المغرب طويلا إلى أن اهتدى الملك المرحوم الحسن الثاني، في منتصف السبعينيات، إلى إعادة اللحمة إلى الكيان الوطني بعد إطلاق المسيرة الخضراء (1975)، وبعدها مباشرة إطلاق «المسلسل الديمقراطي» الذي توج بعد التصويت على دستور 1996 بقيام حكومة «التناوب التوافقي».
خلال مرحلة الحسن الثاني لم تكن المواجهة بين خونة ونظام، ولكنها كانت أساسا بين النظام ومعارضيه على قاعدة أن الخلاف بين الأطراف يتم حول رهان الديمقراطية، لا على رهان الخيانة التي تعني طلب انتداب الخارج، أو المساومة على بيع جزء من التراب الوطني كما كان الأمر في مرحلة الحماية. 
مع تولي الملك محمد السادس حكم المغرب في يوليوز 1999، تغيرت معادلة النظام ومعارضيه السياسيين. لقد تمت عملية الانتقال من ملك إلى ملك بسلاسة مؤيدة بإجماع المغاربة، وبعد ذلك اتسع هامش الحريات نسبيا، وتواصل العمل السياسي بانفتاح مطرد وواعد. وتعزز ذلك بالتعديلات الدستورية المهمة المتحققة سنة 2011.
نعم لقد تغيرت المعادلة إذ تجاوز الأمر مشكلة تنازع الشرعيات ليصبح الصدام دقيقا فقط مع «بروفيلات» جديدة لا تكتفي بإعلان العصيان على المؤسسة الملكية فقط، بل على المجتمع برمته وعلى موروث المغاربة، وعلى الاختيارات الوطنية التي توافق عليها المغاربة، سواء في الشق الذي يهم الحقل الديني (إمارة المؤمنين تحديدا التي تبقى الحصن الضامن ضد التطرف وضد التبزنيس باسم الدين من طرف تجار المآسي)،  أو في الشق الذي يهم الوحدة الترابية ومواجهة أعداء التراب المغربي، أو في شق ثالث يهم مساومة البلاد حول مكاسب شخصية صغيرة حقيرة. ما يعني أننا صرنا في مواجهة «معارضين» من نوع آخر، بعضهم خونة تماما لأنهم يسعون إلى ضرب المغرب خدمة لأجندات خارجية مكشوفة، وبعضهم "شناقة" و سماسرة تماما. والمشترك بين الفصيلين أن هؤلاء يتحركون داخل المنتديات الدولية بلا مشروع وطني، وبلا قضية أو برنامج أو جدول عمل.
بدراسة سيرة  هؤلاء "الخونة والشناقة"، يتبين أننا إذن إزاء نخبة جديدة  تعد تجليا لسلطات "انتداب جديدة"، تأتمر بالخيوط المتشابكة لخصوم المغرب، سواء على مستوى قضيته الوطنية، أو لخصوم التطور الديمقراطي  كما يروج له جزء مهم من المنظمات الدولية الدائرة في فلك أوربا والجزائر.
هي إذن «نخبة السماسرة» و«البزناسة» و«الشناقة» المنتدبين الذين يزعجهم الخط المتنامي للانفتاح والتقعيد لدولة المؤسسات بالمغرب، لأنه لا يسمح لهم باستمرار الاغتناء بالريع وبالوساطات والمساومات. ولذلك يضعون قناع «المعارضة» من أجل مواصلة الابتزاز و"تشناقت".
هذه هي حقيقة البروفيلات الجديدة التي نراها لا تتحرك إلا في الماء العكر، بجوازات سفر مغربية وأجنبية، وبحسابات بنكية مجهولة الموارد، بعيدة عن النبض الشعبي الخالص الذي  يعيش  تحت شمس المغرب بغضبه التلقائي، وبفرحه الطبيعي طموحا في غد أفضل وتحت سقف مغربي .