الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

الدرويش لـ حصاد: نشر أسماء الأساتذة الغائبين قرار شارد يا وزير التربية !

الدرويش لـ حصاد: نشر أسماء الأساتذة الغائبين قرار شارد يا وزير التربية !

أثار البلاغ الصحفي الذي صدر عن وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و البحث العلمي خلال نهاية الأسبوع الماضي في موضوع غياب بعض أساتذة التربية الوطنية ردود فعل هيئة التدريس و الشركاء الاجتماعيين كلها رفضت هاته الخرجة الإعلامية غير محسوبة العواقب و النتائج. علما أن الغياب ظاهرة ليست بالجديدة لكنها مؤطرة بقوانين و مراسيم و قرارات و مذكرات و دوريات و مساطر... فلنطبق القانون و لنبتعد عن كل مظاهر التشهير.

و مما يدعو للإستغراب أن البلاغ المذكور ينطلق من مبدأ الإنسجام مع توجهات تعزيز الثقة في المدرسة المغربية مستندا في ذلك إلى معطيات منظومة مسار و هو أمر يناقض بدايته نهايته.

و بعيدا عن لغة الخشب و الدفاع عن غياب الأطر التربوية بالأسلاك الثلاثة أو تبريره فإننا نسجل الملاحظات التالية:

أولا: إن عدد الأساتذة الذين تغيبوا خلال شهر شتنبر 2017 بلغ 611 أستاذا من أصل 237000  أستاذ و هو ما يمثل نسبة 0.2  في المائة و هي نسبة قليلة بكثير مقارنة بغيابات سنوات سابقة و في  قطاعات أخرى.

ثانيا: أنه من أصل 611 أستاذ غائب 430 منهم قدموا شواهد طبية لإدارات مؤسساتهم مما يعني أن عدد الغيابات غير المبررة هو لمجموع 181 أستاذ فقط من أصل 237000 إطار تربوي و هو ما يمثل نسبة 0.07 في المائة.

ثالثا: إن عمليات زجر الغياب و الحث على الحضور و التحفيز على العمل و المردودية و القيام بالواجب المهني لها ضوابطها القانونية و الإدارية و الأخلاقية إذ ليس من حق أي موظف و مهما كانت مسؤوليته الإدارية أن يلجأ إلى التشهير في حق موظف آخر. و ما قامت به الوزارة و هي تنشر لوائح الأساتذة الذين تغيبوا خلال شهر شتنبر 2017 يعد تشهيرا و إفشاء للسر المهني.

رابعا: إن البلاغ الصحفي المرفق باللائحة الاسمية للأساتذة الغائبين يناقض مقتضيات أحكام الفصل 18 من ظهير 1958 و الخاص بالنظام الأساس العام للوظيفة العمومية و خصوصا مقتضيات نص "بقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي فيما يخص السر المهني فان كل موظف يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل ما يخص الأعمال و الأخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها".

 خامسا: صحيح أنه تظل سلطة الوزير محررة للموظف من لزوم كتم سر المهنة و منها الإشعار بأسماء الأساتذة الغائبين لكن هاته السلطة لا يجب أن تستعمل في غير محلها. فالبلاغ الصحفي للوزارة يؤكد على أنه من أصل 611 أستاذ غائب 430 منهم غابوا بعذر و قدموا شواهد طبية تؤكد ضرورات الغياب الصحية لمدد تتراوح بين 4 أيام و 95 يوم. و نعلم جميعا أن عمليات تسليم الشواهد الطبية تخضع لإجراءات و مساطر صارمة إذ لم تعد كما كانت من قبل و للإدارة الحق في إخضاع الموظف للفحص الطبي المضاد من قبل اللجن الطبية الإقليمية. ثم إن هاته الشواهد الطبية  تدخل ضمن مقتضيات القوانين المعمول بها و منها النظام الأساس للوظيفة العمومية خصوصا الفصول 38 إلى 41 مثلا. و قد سلمت من قبل المتغيبين إلى إدارات مؤسساتهم و التي تنقلها بدورها إلى المديريات الإقليمية ثم إلى الأكاديميات بعد مرور 90 يوما فيتم بعثها إلى الموارد البشرية مركزيا – هي إذن رخص لأسباب صحية تستوجب حقوقا مضمونة للموظف دون أن يدخل في خانة المتغيب بصفة غير مشروعة إن لم تشبها شوائب و إن احترمت كل الضوابط و الإجراءات النظامية.

 سادسا: ما وجه الشبه بين نشر لوائح الأساتذة الغائبين برخصة أو بدونها و بين تعليق نتائج نجاح التلاميذ بذكر و نشر الراسب منهم فقط. ألم تعاقب الوزارة مدير المؤسسة المعنية في حينه. وهل فكرت الوزارة في الحالة النفسية لمجموعة من الأساتذة الغائبين بعذر و ترخيص طبي. إذ من المؤكد أن من بينهم من هم طريحو الفراش و منهم من يعاني في صمت.

 سابعا: أدعو الوزارة للتفكير بجدية غير مسبوقة في أوضاع أسرة التربية و التكوين بكل أسلاكها خصوصا أنهم يرافقون و يصاحبون الأطفال و الشباب من الرياض إلى التعليم العالي و يشهدون على نجاحاتهم  وإخفاقاتهم. و تجدر الإشارة و التذكير هنا بأن أفراد أسرة التربية و التكوين معرضون أكثر من غيرهم إلى الإصابة بأمراض قد لا يصاب بها غيرهم من مثل الأمراض النفسية و العصبية و الجلدية و الشرايين و الزهايمر و الخرف و أمراض الصدر و الحنجرة و أمراض السرطان و أمراض البصر و الحساسية و غيرها مما أكدته دراسات حديثة.

لكل ما سبق فإننا نعتقد أن هذا البلاغ مرفقا باللوائح الإسمية في غير محله. بل إنه في حالة شرود. إذ له انعكاسات سلبية عكس ما كان ينتظر منه. فعوض تسجيل إيجابية النقص المسجل في الغياب مقارنة مع سنوات مضت و تهنئة السيدات و السادة الأساتذة و الإداريين و المستخدمين على تعبئتهم الجماعية و مجهوداتهم التي جعلت من هذا الدخول المدرسي متميزا عن سابقيه تاريخا و مضمونا في مجموعة من المواقع بفعل جدية و مثابرة أسرة التربية و التكوين. و بدل تثبيت ثقافة الإعتراف و التنويه بالمجهودات و المبادرات التي يتخذها مجموعة كبيرة من السيدات و السادة الأساتذة و الإداريين ثقافيا و رياضيا و ترفيها سواء داخل الأندية أو خلال الألعاب المدرسية و تأطير الخرجات و الرحلات و دروس الدعم و تزيين المؤسسات و تنشيطها تطوعا و دون مقابل و هم يقومون بواجباتهم  الوطنية أولا و الوظيفية ثانيا اختارت الوزارة التشهير ببعض قليل من الأساتذة الغائبين بعذر و بغير عذر و في ذلك إساءة لأسرة التربية و التكوين برمتها...

فمثل هاته الأمور و كل المبادرات و القرارات غير محسوبة العواقب و غير المدروسة قد تسبب في ردود أفعال تعود سلبا على المنظومة.

وقبل الختم  أهمس في أذن السيد الوزير جهارا فأقول له:

أولا تأكد أن لائحة الغياب غير مكتملة و غير مضبوطة بصفة نهائية و قد تكون خضعت لمنطق المحسوبية و الريع أو الحسابات الضيقة في  وضع أو عدم وضع هذا الاسم أو ذاك.

ثانيا لماذا عدم احتساب من يوم إلى ثلاثة غيابا و أين  تم تصنيف رخص الولادة و رخص فريضة الحج..

ثالثا حتى و لو كان أمر البلاغ و نشر اللائحة في إطار حق الحصول على المعلومة و هو من الحقوق التي يضمنها دستور المملكة في الفصل 27 منه تكريسا لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا و تعزيزا للشفافية و ترسيخا لثقافة الحكامة الجيدة فانه لا يستقيم بنشر أسماء الغائبين بعذر و بغير عذر

و بذلك تختلط  الأمور.

رابعا استحضارا للتوجيهات الملكية و تنفيذا للبرنامج الحكومي في قضايا التربية و التكوين  لكم أن تسهروا على تطبيق القانون تعميقا  للديمقراطية من حيث الممارسة و القيم  وتجسيدا للتوجهات الكبرى للمملكة و تفعيلا  لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في كل المستويات المحلية و الإقليمية و الجهوية و الوطنية و كذا في كل المسؤوليات وذلك بفتح كل الملفات و نتم اعلم  بأغلبها و إن غابت عنكم بعضها فإنكم في موقع تأتيه المعلومة دون طلب. و قد اتخذتم قرارات صفقت لكم من اجلها أسرة التربية و التكوين. فلا تخطئوا الطريق و لا تخلطوا الأوراق.

عود إلى بدء لأقول إن الدينامية المسجلة في القطاع يجب ان تصاحبها إجراءات نواتها الإهتمام بالموارد البشرية و الاعتناء بأحوالها و وضع حد للملفات المطلبية المرتبطة بتسوية الوضعيات الإدارية و النظامية و كذا بتحسين ظروف الاشتغال و الحد من ثقافة المحسوبية و الزبونية و الريع لدى بعض المسؤولين و إذكاء ثقافة الإعتراف و الإشادة بكل المبادرات المثمرة و الفعالة و المنتجة و المساهمة في تكوين المواطن الصالح لنفسه و وسطه و وطنه. مواطن متشبع بروح المبادرة و التعايش و قبول الآخر وثقافة الاختلاف و الروح الجماعية في وطن يتسع لكل المغاربة.

فنجاح منظومة التربية و التكوين رهين بنجاح الأسرة بكل مكوناتها فلا يجب أن نخطئ الهدف و المسار. فأسرة التربية و التكوين مفتاح من مفاتيح تطور و نهضة و تقدم وطننا فلنحافظ على كل مفاتيح ذلك.