الاثنين 25 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

مروك: متى ينتهي المنطق الفيودالي السائد".. أنا هو الحزب والحزب هو أنا"!؟

مروك: متى ينتهي المنطق الفيودالي السائد".. أنا هو الحزب والحزب هو أنا"!؟ عمر مروك
الاستحقاقات الانتخابية محطة حاسمة لتقييم ما تم إنجازه أو الإخفاق فيه من برامج وسياسات عمومية أثناء مرحلة معينة، وكذا فرصة متجددة لمنح الثقة عبر صناديق الاقتراع فيمن يرى فيه المواطنون الكفاءة وروح تحمل المسؤولية من أجل تنفيذ الطرح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وهو صلب عملية تداول السلطة وتكريس الديمقراطية في أزكى تجلياتها، إلا أن واقع الحال بالمغرب يقتضي التحليل بمفهوم المخالفة وقياس الأمور بأضدادها، على سبيل المثال إن كان الطرح السياسي بمدلوله في الديمقراطيات العريقة يحيل على البرامج والأرقام ولغة المعطيات والاستشراف من أجل إقناع الناخبين واستمالة أصواتهم ، فإنه في المغرب مثلا يخرج عن سياقه ومدلوله، لنجد الطرح السياسي مجرد وقود سياسي لمعارك تنظيمية لكسب رهان الغنيمة والمناصب والريع السياسي، وعوض استقطاب الكفاءات أصحاب التجربة والطاقات الشابة المبدعة، تتحرك الآلة الانتخابية الحزبية لاستقطاب أصحاب المال وتزكية الأبناء واللجوء لشبكة العلاقات والمصالح، بشكل يستفرد معه رئيس الحزب بالقرار وبالاختيار، عبر منطق فيودالي ريعي تحت مبدأ أنا هو الحزب والحزب هو أنا، بشكل باتت معه الاستحقاقات الانتخابية موسما تنتعش من خلاله الدكاكين السياسية وتفتح المقرات من جديد وينطلق موسم الميركاطو الصيفي للترحال السياسي، بشكل لا يراعي البتة منطق الأيديولوجيا أو التوجهات السياسية. مرحلة التدافع هاته لا يلزمها كما الديمقراطيات برامج وأفكار وكفاءات تجيد الإقناع وتُلم بجوهر القضايا الكبرى من تنمية وقضايا عالقة، بل يلزمها فقط خطاب شعبوي يدغدغ المشاعر ولغة سلسة يفهمها المواطن البسيط يتخللها كلام نابي أحيانا ورفع الصوت وبعض المشاجرات، المهم ليس هو الإقناع وإنما فقط تسجيل الأهداف على مرمى الخصم.
وآلات هذا النكوص السياسي جد خطيرة أفقدت العمل السياسي برمته المصداقية، تولد معها اليأس وعدم الثقة في المؤسسات وأضاعت عن الوطن فرص التنمية وتحقيق الرفاه الاجتماعي، بل أدخلت الشعب في موجة استهجان واحتجاجات والخروج للشارع.
الإسهاب في انتقاد عشرية الشعبوية والسنوات العجاف، ليس القصد منه تبخس العمل السياسي ودور الأحزاب في التأطير، وإنما هو وعي بحجم التجاوزات وضرب المكتسبات الدستورية وتعطيل الدور المفترض في المؤسسات التمثيلية والتدبيرية، وبالتالي وجب التحذير ممن ينتعشون من جو الشعبوية واللاوضوح والفوضى وغياب الرؤية، وهو الأمر الذي نبه إليه مباشرة الخطاب الملكي للعرش لسنة 2017، خطاب صارم ومباشر جاء فيه ما يلي ما الجدوى من وجود المؤسسات وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء والولاة والعمال والسفراء والقناصل، إذا كانوا هم في واد والشعب وهمومه في واد آخر. فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين تدفع عددا من المواطنين وخاصة الشباب للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي وعن المشاركة في الانتخابات، لأنهم بكل بساطة لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل. أضاف وإذا أصبح ملك المغرب غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟ لكل هؤلاء أقول: كفى، واتقوا الله في وطنكم... إما أن تقوموا بمهامكم كاملة وإما أن تنسحبوا، فالمغرب له نساؤه ورجاله الصادقون، ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، لأن الأمر يتعلق بمصالح الوطن والمواطنين، وأنا أزن كلامي واعرف ما أقول.. لأنه نابع من تفكير عميق.
والغريب في الأمر أن هؤلاء المسؤولين هم أنفسهم خرجوا للتنويه بالخطاب والإشادة بمضامينه وكأنهم غير معنيين به.
جاءت محطة مفصلية أخرى عندما دعاهم الملك لاقتراح نموذج تنموي جديد، محطة أخرى أبانت عن مدى عجزهم ولم تستطع لا الأحزاب ولا أعضاء الحكومة أن تكون لهم قوة اقتراحيه ورؤية مستقبلية. هذا إن دل على شيء فهو أننا كشعب لا نختار من نحب وليس لنا أن نتجنب ما نكره، بل نخضع لمزاجية وبراغماتية منظومة عرفت من أين تُؤكل الكتف، منظومة عهدت تبادل الأدوار والمواقع في ضرب تام لحقوق ومصالح الشعب وتوجيهات الملك. بل يشكلون خطرا بسبب تلك الممارسات على الدولة اجمع ويمنحون الفرصة للجهات الخارجية المتربصة التي تريد سوءا ببلادنا وتنتظر الفرصة لزرع الفتنة وتعطيل عجلة التنمية والازدهار والتطلع لدولة الرفاه. في الأخير ما سبق ذكره لا نقصد به التيئيس والدعوة لمقاطعة الانتخابات، بقدر ما هو دعوة للحرص الشديد على إنجاح هذه المحطة الفاصلة التي ننتظر منها الكثير في إطار رؤية 2030 والاستعداد لولوج الثورة التكنولوجية العالمية الرابعة وتبعا للأدوار الإقليمية التي بات يقوم بها المغرب وتبعا للتغيرات الجيو اقتصادية الدولية الحالية وأثرها في خدمة قضيتنا الأولى، وبالتالي فالانتخابات المقبلة هي فرصة لتجديد العهد نحو مغرب أفضل، مغرب يستفيد منه الجميع ويخدمه الجميع.
 
عمر مروك، باحث في الشأن السياسي