الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: جنرالات الجزائر وصراعهم بين تنظيم الانتخابات أو إلغائها

محمد بوبكري: جنرالات الجزائر وصراعهم بين تنظيم الانتخابات أو إلغائها محمد بوبكري
لقد قامت السلطات الجزائرية مؤخرا بمنع أهالي ولايتي "بجاية" و"الأغواط" من الخروج ليلا ابتداء من الساعة الحادية عشرة ليلا إلى الساعة الرابعة صباحا، بدعوى أن الحالات الجديدة من فيروس كورنا المتحور قد بدأت ترتفع في هاتين الولايتين. وتروج أخبار في الجزائر أن هذه السلطات قد اعتمدت المبرر نفسه لتعميم هذا القرار على سبع ولايات أخرى. ويضيف متتبعون للشأن الجزائري من الداخل، أنه من المحتمل أن يشمل هذا القرار ولايات إضافية، حيث ستسير السلطة الجزائر ببطء في أفق تعميمه على كل الولايات الجزائرية. ويفسر خبراء إقدام هذه السلطة على ذلك، بكونه يكشف عن رغبة الجنرالات في استهداف، الحراك الشعبي الذي لم يعودوا يطيقون تصاعده وانتشاره، ما دفعهم إلى البحث عن أدنى مبرر لفرض الحجر الصحي على كافة التراب الجزائري، بدعوى أن السلطة تهتم بصحة الجزائريين، لكنها، في واقع الأمر تستهدف الحراك الشعبي السلمي...
ويذهب خبراء آخرون بعيدا في استنتاجاتهم، حيث يرون في قرار السلطات الجزائرية هذا، أن حكام الجزائر يدفعون في اتجاه إلغاء الانتخابات التي صاروا مقتنعين بأن الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري ستقاطعها، ما قد يدخل الجزائر في صراعات لا أحد يستطيع التنبؤ بعواقبها، حيث إذا تمسك الجنرالات بتنظيمها في شهر يونيو المقبل، فإن كل ما سينبثق عنها من مؤسسات ستكون بدون أية شرعية سياسية، ما سينجم عنه رفض الشعب الجزائري لها ومقاطعته لها، لأنها ستكون مجرد كيانات شكلية مهزوزة بدون امتدادات مجتمعية. 
ويؤكد ملاحظون جزائريون أن الجنرالات ليسوا متفقين على تنظيم هذه الانتخابات في شهر يونيو، حيث يقولون إن الجناح العسكري المتحكم في" عبد المجيد تبون" يريد تنظيم الانتخابات في الموعد المحدد لها، لكن جناح الجنرالين "خالد نزار" و"توفيق مدين" يتبنى إلغاءها، ويدفع في اتجاه تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها. كما أن التردد يطغى على جناح ثالث من الجنرالات، لا يزال يفكر في إمكانية تسويغ مبرر كورونا لتأجيل الانتخابات، من خلال النفخ في أرقام أعداد حالات الإصابة الجديدة بـ "فيروس كورونا". كما أن تردد هذا الجناح الثالث راجع إلى أنه لا يعلم أي شيء بعد عن قوائم المرشحين ومخرجات هذه الانتخابات، وما سيتبعها في المرحلة التي ستليها...
وإذا عدنا إلى مشكل "فيروس كورونا" وجدنا أن حكام الجزائر يتمنون استفحال الوباء في وسط الشعب الجزائري، لأنه يبدو لهم أنه هو منقذهم الوحيد من استمرار الحراك الشعبي الذي قرر العصف بهم. هكذا، فإن الجنرالات يهتمون فقط بالبقاء في السلطة، ولا يهتمون بحق الشعب الجزائري في الحياة، حيث لا يفعلون شيئا من أجل مواجهة هذا الوباء اللعين. فأين المستشفى الصيني، الذي قام الجنرالات بتبشير الشعب الجزائري به في شهر أبريل 2020؟ ألم يعدوهم بأنه سيكون ضخما ومتعدد الاختصاصات، وبطاقة استيعابية هائلة، ما سيمكن الشعب الجزائري من مكافحة " فيروس كورونا" بسرعة فائقة. وهذا ما يؤكد أن كلام حكام الجزائر عن تشييد هذا المستشفى الصيني كان مجرد كذب، رغبة في ربح الوقت للتمكن من ابتداع تحايلات جديدة على الشعب الجزائري. كما وعد حكام الجزائر الجزائريين بأنهم سيأتونهم باللقاح المضاد لـ "فيروس كورونا"، ما يفرض علينا التوجه إليهم بالسؤال الآتي: أين هو اللقاح، أو اللقاحات التي وعدتم بها الشعب الجزائري؟
ولمعرفة جواب حكام الجزائر، يكفي أن نستحضر أن التصريح الأخير لـ "وزير الصحة الجزائري" الذي قال فيه:" اللقاح ليس هو الحل، وإنما يكمن الحل في الالتزام بالاحترازات الصحية التي أقرتها السلطات الجزائرية...". يتضح من هذا الكلام أن الجنرالات عاجزون عن اقتناء هذا اللقاح، ما دفعهم إلى التسول على أبواب "المنظمة العالمية للصحة"، ومختلف المؤسسات التي تنتج اللقاحات، حيث زودتهم شركة "فايزر" بـ عشرة آلاف جرعة، وزودتهم روسيا بـ خمسين ألف جرعة من لقاح "سبوتنيك". أما الصين، فقد منحتهم ثلاثين ألف جرعة. تبعا لذلك، فإن الجنرالات قد تمكنوا، عن طريق التسول، من توفير مائة ألف جرعة لا غير، فقاموا بتخصيصها ليطعموا بها مسؤولي النظام وذويهم.
وإذا كان هذا " الوزير" الجزائري قد استصغر مفعول اللقاح المضاد لوباء "كورونا"، وأضاف إلى ذلك أن الدول العظمى تعتمد فقط الإجراءات الاحترازية التي أقرتها السلطات الجزائرية، فلتفنيد كلام هذا "الوزير" يكفي أن نشير إلى أن الشعب البريطاني قد تم تطعيمه بثلاثين مليون جرعة. كما تم تطعيم الشعب الأمريكي بـمائة وخمسين مليون جرعة، ومن المحتمل أن تنتهي الولايات المتحدة الأمريكية من تطعيم الشعب الأمريكي كله بما يكفيه من الجرعات في نهاية شهر ماي، أو، على الأكثر، في غضون يونيو. أضف إلى ذلك أن نسب التطعيم باللقاح تتراوح في كل بلاد العالم بين 10%و20% إلى 30%. لذلك فإن هذا "الوزير" يمارس الكذب، كما يفعل "تبون" وشنقربحة" ووزراء جزائريون آخرون، حيث إن البيانات أعلاه تكشف أن كلامه عار من أي صحة...
وإذا كان "تبون" قد أعلن سابقا" أن المنظومة الصحية الجزائرية هي أفضل منظومة صحية في أفريقيا"، فإننا عندما ننظر إلى واقع هذه المنظومة اليوم، نجد أنه يثبت عكس كلام هذا الشخص، حيث إذا نظرنا إلى عدد حالات الإصابة الجديدة بهذا الوباء اليوم في الجزائر، وجدنا أنه يتراوح ما بين 200 و250 حالة يوميا. ومع ذلك، فإن المسؤولين عن هذه المنظومة يشتكون من عدم قدرتها على استقبال هذا العدد يوميا، علما أن ثلاثين حالة من هذه الحالات الجديدة هي التي تكون حرجة وتتطلب عناية مركزة، ما يؤكد أن هذه المنظومة ضعيفة وعاجزة، حيث صار واضحا أنه لا يمكن للمرء أن يعتد بكلام هذا الشخص، لأنه لا يمارس الكذب فقط، وإنما يتنفسه. لذلك، فإذا كان خطاب حكام الجزائر مطبوعا بالنزعتين الفروسية والعنترية، فماذا يقدرون على فعله، إذا ضرب الجزائر، لا قدر الله، وباء فتاك؟!
فضلا ذلك، لقد هاجر عشرة آلاف طبيب جزائري إلى مختلف الدول الغربية، كما هاجر آخرون إلى بلدان الخليج وآسيا، لأنهم مقتنعون بأن المنظومة الصحية الجزائرية كارثية، حيث صارت المستشفيات الجزائرية عبارة عن قاعة انتظار للمقابر.
وخلاصة القول إن نظام العسكر قد حرم الجزائريين من التوفر على منظومة صحية ملائمة، وكذا من اللقاحات. كما مارس العنف بشتى أنواعه على الأطر الطبية، فأصبحوا مضطرين لمغادرة البلاد نحو الخارج، كما أنه، ونتيجة نهبه لأموال الجزائريين، قد أصبح يتسول اللقاحات المضادة لـ "فيروس كورونا، حيث صارا عاجزا عن اقتنائها. وما دام حكام الجزائر يعون كل ذلك، فليس مستبعدا أنهم قد يتخذون انتشار هذا الفيروس لاستهداف الحراك عبر منع التظاهرات والمسيرات والتجمعات. كما أن هناك صراعات بين مختلف أجنحة الجنرالات حول تنظيم الانتخابات في يونيو، حيث يوجد من بينهم من يدعو إلى إلغائها. لذلك، فما دام الحراك الشعبي متصاعدا وحريصا على الوحدة الوطنية، فإن الجنرالات سيزدادون سعارا وانقساما، ما يقتضي من مناضلي الحراك ورموزه المزيد من التصعيد والحذر والتشبث بسلمية الحراك ووحدته الوطنية، حيث تبين الصراعات بين أجنحة الجنرالات أن رحيلهم قد صار وشيكا. لذلك، أتمنى للشعب الجزائري التوفيق في معركته المصيرية هذه حتى يتمكن من بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة...