الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد فرحان: عن الرأسمال وحقوق الإنسان

أحمد فرحان: عن الرأسمال وحقوق الإنسان أحمد فرحان

 ونحن اليوم، نتيجة الانعكاسات الاقتصادية السلبية للوباء، نستمع إلى خطابات سياسية بائسة عن ركود اقتصادي متوقع في العالم، يعد بارتفاع نسب الفقر والبطالة في ظل استمرارية عنيفة للاستغلال الرأسمالي، وكأن هذا المصير قدر لا مفر منه.

 

وهنا لا بد أن نعيد التساؤل حول الآلية التي يعمل بها النظام الرأسمالي على تجاوز الأزمات، ونحن نعلم مسبقا أن الجواب هو الآتي: إنها الآلية نفسها الاستغلال والتشييء. ولكن من المسؤول عن الاستغلال والتشييء؟

 

يعلمنا كارل ماركس في المجلد الأول من "كتاب الرأسمال" أن استغلال الرأسمالي للعمال ليس مشكلة أخلاق أو مشكلة عدالة أو مشكلة الفضائل الإنسانية، بل هي مشكلة نظام محكوم بقوانين الإنتاج والاستهلاك والتوزيع والقيمة التبادلية للسلع والخصائص غير الثابتة للنقود وفائض القيمة...

 

إنه نظام تفقد فيه الإرادة الإنسانية حريتها في التحرر منه، لأن الإرادة الإنسانية الحرة التي يجسدها مفهوم "العامل" بوصفه كائنا اجتماعيا حرا، والتي تحققت بفضل تجاوز النظام الإقطاعي نظام الأقنان والأسياد، ليس لها أي معنى أمام خيار الموت جوعا الذي ينتظر العامل عند رفضه عروض العمل في المصنع الرأسمالي.

 

ولهذا فإن النظام الرأسمالي ليس نظاما إراديا يتعلق بإرادة أشخاص معينين، بل هو نظام مادي يتجسد في علاقات الإنتاج المستقلة عن إرادة الأفراد... وبهذا فالاستغلال ناتج عن خصائص النظام الرأسمالي ذاته، أي عن منطقه المادي الداخلي. فالرأسمالي كالعامل يخضعان معا لجبروت النظام الرأسمالي، وكلاهما في وضع استغلال بشع، والفرق بينهما أن موقف الرأسمالي سعيد وموقف العامل شقي. سعيد بمعنى أنه في منأى عن الجوع ولكن ليس بمنأى عن الخسارة والإفلاس والتشيؤ، والآخر شقي لأنه ليس بمنأى عن الجوع والبؤس، فيضطر هذا الشقي إلى بيع قوة عمله بأبخس ثمن. فما الحل؟

 

في شباب كارل ماركس، شباب البيان الشيوعي، كان يرى أن الثورة البروليتارية لإقامة النظام الشيوعي هي الحل، وكانت تسكنه بعض الرومانسية الألمانية الهيجلية المتأخرة، حيث أن الرهان على الوعي بالوجود الاجتماعي للاستغلال كفيل بتوحيد صفوف العمال. وهي نظرة متفائلة جدا تعود إلى ميثولوجيا الأنوار الدّهرية عن الطبيعة الإنسانية الحرة.

 

ولكن في كهولة ماركس، كهولة "كتاب الرأسمال"، أصبح يرى أن تناقضات النظام الرأسمالي هي التي ستطيح به، وبها يتحرّر الجميع من جبروته. هذه المسافة البيولوجية الزمنية الفارقة بين شباب ماركس الرومانسية وكهولته الواقعية فتحت الطريق الأنطولوجي أمام الحياة السياسة المدنية للنضال من أجل تقنين شروط امتلاك وسائل الإنتاج تقنينا حقوقيا.

 

فلا سبيل إلى اختراق النظام الرأسمالي إلا بالنضال السياسي والحقوقي من أجل دولة الحق والقانون. إنه الطريق إلى اختراق النظام وليس إلى إسقاطه، لأن مسألة إسقاطه مسألة تاريخية تتوقف على ظهور قوة منتجة مغايرة لا تجد في الرأسمالية طريقا لتطوّرها، ولكن تكون استفادت منه كثيرا في بناء هويتها الإنتاجية المغايرة.