الخميس 28 مارس 2024
سياسة

أسية السوسي: في الحاجة لرجال دولة.. حقيقيين!

أسية السوسي: في الحاجة لرجال دولة.. حقيقيين! الفقيد عبد الرحمان اليوسفي
في نعيهم للفقيد الكبير سي عبد الرحمان اليوسفي، علق الكثير من المغاربة سياسيين او مواطنين عاديين على رحيل الرجل برحيل آخر رجالات الدولة بالمغرب. ولعله إحساس شبه عام لدى المغاربة اليوم بفراغ السياسة والأحزاب من مثيل سياسيي الرعيل الأول الذين فرضوا احترام الشعب لهم وان لم يتفقوا دائما مع قراراتهم. فبرغم كل الانتقادات التي تعرضت لها حكومة الفقيد عبد الرحمان اليوسفي والمعارضة التي لقيها حتى داخل حزبه الاتحاد الاشتراكي، إلا انه ظل في عيون الموالين والمعارضين رجل الدولة الذي يستحق كل التقدير والاحترام. فمن هو رجل الدولة اليوم ولماذا لم تستطع الأحزاب منح المغاربة زعامات سياسية تحظى بالثقة وتمنحهم الأمل في التغيير الذي يحلمون به منذ ما سمي بالانتقال الديمقراطي؟.
إن المتتبع للحياة السياسية المغربية على مدى العشرين سنة الماضية، يلاحظ انكسار المشهد السياسي عبر منعطفات تاريخية لم تتحقق فيها الاستمرارية اللازمة لبناء ديمقراطي عميق ومتزن. وإذا اتفقنا أن حكومة التناوب التوافقي قد شكلت أول محطة في طريق الانتقال الديمقراطي فان ما تلاها من منعطفات سياسية جعلت هذا الانتقال يطول ويتأجل في كل مرة. أولا في التنازل عن المنهجية الديمقراطية إبان تعيين حكومة ما بعد التناوب وثانيا فيما تلا حراك عشرين فبراير من تغييرات جذرية غيرت دستور المملكة وأطفأت وهج الحزب القادم الى السلطة آنذاك وأوصلت الإسلاميين إلى الحكم بدون أي مشروع مجتمعي واضح. كل هذا في مشهد حزبي بزعامات سياسية تتنافس حول السلطة بخطابات شعبوية تهريجية أحيانا، وبتراشق التهم والسباب أحيانا أخرى خارج أي نقاش سياسي واع ومسؤول يمكن أن يساهم حقا في البناء الديمقراطي الذي ينشده المغرب أو يكون له أي وقع إيجابي على حياة المغاربة.
لقد افتقد المغرب خلال هذه المنعطفات رجالات الدولة فضاعت علينا فرص مفصلية لبناء مغرب الحداثة والديمقراطية والمؤسسات، إذ أن رجل الدولة لا يحمل هم السلطة بقدر ما يحمل هم الدولة ومصلحة شعبه ووطنه. رجل الدولة يستطيع أن يتجرد من ذاتيته إلى المصلحة العامة وان يبادر بما يتناسب وهذه المصلحة وان كانت لن تحقق مكاسب سياسية للحزب الذي ينتمي إليه. واليوم ونحن أمام هذا الظرف العالمي الجديد الذي سببته الجائحة، ظرف سيشكل لا محالة منعطفا سياسيا آخر في طريق انتقالنا الديمقراطي نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى زعيم سياسي يستطيع أن يميط اللثام عن مواقع الخلل ومثبطات البناء الديمقراطي بكل جرأة وموضوعية. نحتاج زعيما يدفع بالنقاش السياسي إلى ابعد من التنافس على السلطة، إلى طرح الأسئلة العميقة والجوهرية التي من شأن التداول فيها أن ينتج حلولا أو إجابات للإختلالات والمشاكل التي يعانيها المغاربة على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها. زعيما نظيف اليدين يستطيع بلا خوف أو انصياع أن يجيب عن السؤال: أين الثروة؟ وكيف لم يستطع المغرب بكل ما فيه من مبادرات أن يحقق لمواطنيه التنمية أو العدالة الاجتماعية. لقد أهدر علينا سياسيونا بعد حكومة التناوب زمنا سياسيا طويلا، تدافعوا خلاله إلى السلطة تدافع الكراسي لا تدافع البرامج والمشاريع المجتمعية أو سجال الأفكار والمواقف، فتشابهت الحكومات وان تغيرت وجوه الوزراء في تحالفات هجينة خربت بوصلة اليسار واليمين والوسط، وميعت العمل السياسي. ولعل إنشاء ثم تمديد مدة اشتغال اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد لهو اعتراف ضمني بفشل الأحزاب في إنتاج الأفكار واستباق الازمات وخلق النقاش حول مشكلات المغاربة الحقيقية قبل وبعد الجائحة، مشكلات يحدث أن يشير إلى بعضها رئيس الدولة في بعض خطبه ليرددها الجميع بعده دونما مبادرات حقيقية. 
لقد عمقت جائحة كورونا وما ترتب عنها من فضح لارتجالية التسيير وقصر النظر في الكثير من القطاعات وتفتق قدرات مغربية هائلة في قطاعات أخرى (منسية عن قصد أو غير قصد، البحث العلمي الصناعة ...)، عمقت هذه الجائحة حاجتنا إلى خطاب سياسي واقعي، يستثمر كل الايجابيات التي ظهرت إبانها ويعيد ترتيب الأولويات وفق نموذج الدولة التي يستحقها المغاربة. كما أظهرت حاجة البلاد أكثر من أي وقت مضى إلى سياسيين يعيدون للأحزاب ملكة التفكير وزمام المبادرة التي يمكن أن تغنينا عن كل هذه اللجان والمجالس التي تنخر من ميزانية الدولة. إننا نحتاج ونحن على مشارف انتخابات استثنائية، زعيما سياسيا لا يخلف موعدنا هذه المرة مع التنمية والبناء الديمقراطي زعيما نظيف اليد، متزن الكلام، عقلاني الخطاب جريء الاقتراح بعيد النظر وعميق التفكير، وهي صفات رجل الدول الذي قد يعيد الثقة إلى المواطنين في السياسة بعد ان قزمها بعض "الزعماء" (سامحهم الله) إلى خطاب شعبوي تهريجي وتنافس عقيم حول الكراسي أضاع أحلام حركة عشرين فبراير وأجهض كل ما كان يمكن أن ينتجه تفاعل رئيس الدولة مع الحراك آنذاك من مغرب حداثي ديمقراطي جديد.