يبدو أن التعبيرات الإحتجاجية الأخيرة التي أطلقها جيل “Z” قد أربكت الخطاب الرسمي، وأعادت طرح السؤال الجوهري حول علاقة الدولة المغربية بشبابها: هل نحن أمام فشل ممنهج في التواصل مع الجيل الجديد؟ أم أمام دينامية مجتمعية جديدة تفرض على المؤسسات مراجعة رؤاها ومنهجياتها في الإصغاء والتفاعل؟
لقد لامس اتحاد المنظمات المغربية التربوية في اجتماعه الاستثنائي ليوم الأحد 5 أكتوبر 2025 (انظر بيان الاتحاد)، عمق هذه الإشكالية حين خصص جل مداولاته لتحليل خلفيات هذه التعبيرات الشبابية، معتبرا أنها تحمل دلالات مجتمعية لا يمكن اختزالها في أحداث ظرفية أو قراءات سطحية. فحين يخرج شبابٌ لم يعش زمن الانتقال الديمقراطي ولا سنوات الرصاص، ليعبّر عن غضبه بهذه الكثافة، فذلك مؤشر على أزمة ثقة متفاقمة، وعلى عجز السياسات العمومية عن استيعاب التحولات القيمية والاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي.
لقد لامس اتحاد المنظمات المغربية التربوية في اجتماعه الاستثنائي ليوم الأحد 5 أكتوبر 2025 (انظر بيان الاتحاد)، عمق هذه الإشكالية حين خصص جل مداولاته لتحليل خلفيات هذه التعبيرات الشبابية، معتبرا أنها تحمل دلالات مجتمعية لا يمكن اختزالها في أحداث ظرفية أو قراءات سطحية. فحين يخرج شبابٌ لم يعش زمن الانتقال الديمقراطي ولا سنوات الرصاص، ليعبّر عن غضبه بهذه الكثافة، فذلك مؤشر على أزمة ثقة متفاقمة، وعلى عجز السياسات العمومية عن استيعاب التحولات القيمية والاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي.
في بيانه، شدّد الاتحاد على الحق في حرية التعبير والتجمهر السلمي باعتباره من أبرز مكتسبات المسار الديمقراطي المغربي، محذراً في الوقت ذاته من أي انزلاق قد يمسّ سلامة المحتجين أو القوات العمومية. إنها لغة توازن دقيقة بين الدفاع عن الحقوق والحفاظ على الأمن العام، لكنها في العمق تعبّر عن رؤية تربوية تؤمن بأن العنف ليس لغةً للحوار، وأن الاحتجاج السلمي مسؤولية جماعية تتقاسمها الدولة والمجتمع معاً.
غير أن أكثر ما يثير القلق في البيان هو الإشارة إلى ارتفاع مشاركة القاصرين في أعمال العنف والتخريب. فالاتحاد، وهو أحد أبرز الفاعلين في مجال الطفولة والشباب، حذّر من خطر “شحن وتهييج الأطفال واستغلالهم”، داعياً إلى التقيد بالمصلحة الفضلى للطفل. هنا تبرز المفارقة المؤلمة: حين يتحول الفضاء العمومي من مجال للتربية المدنية إلى مسرح لاستغلال القاصرين، نكون أمام فشل مزدوج، فشل في التنشئة وفشل في الوقاية.
وفي موقف سياسي واضح، اعتبر الاتحاد أن المطالب الشبابية مشروعة وعدالة، لاسيما ما يتعلق بمحاربة الفساد والنهوض بقطاعي الصحة والتعليم، وهما ركيزتان للدولة الاجتماعية التي ما فتئت الحكومة تتغنى بها. غير أن البيان لم يُخفِ استغرابه من “التناقض الصارخ” بين خطاب الدولة الاجتماعية وممارسات وزارة الشباب والثقافة والتواصل، التي تجاهلت – حسب الاتحاد – النداءات المتكررة لعقد لقاء حوار جاد منذ مارس الماضي. هذا التجاهل لا يمكن قراءته إلا كإصرار على تهميش الصوت المدني الجاد، وإغلاق قنوات النقاش مع الفاعلين التربويين الذين راكموا تجربة ميدانية حقيقية في فهم قضايا الشباب.
لقد كان الاتحاد صريحاً في تشخيصه حين اتهم الحكومة بمحاولة تسليع الخدمات العمومية الموجهة للطفولة والشباب، وتفويت تدبير مراكز الاستقبال والفضاءات التربوية إلى جهات تجارية تبحث عن الربح لا عن التربية. إنها صيحة تحذير من منطق السوق حين يتسلل إلى قلب العمل التربوي، فيحوّل فضاءات التنشئة إلى مقاولات للتسلية المؤدى عنها، ويغيب بعدها الإنساني والاجتماعي.
ولعلّ جوهر الرسالة التي يحملها بيان الاتحاد هو الدعوة إلى نقاش وطني هادئ وصادق حول السياسات العمومية الموجهة للشباب. فبدل الاكتفاء بالأساليب “الاستعراضية والمناسباتية”، كما وصفها البيان، يجب فتح حوار مؤسساتي يحترم ذكاء الشباب، ويعترف بقدرتهم على الإسهام في صياغة السياسات التي تمس حياتهم اليومية ومستقبلهم.
إن ما طرحه الاتحاد في بيانه ليس مجرد موقف ظرفي، بل هو نداء تربوي ووطني في آنٍ واحد، يستحضر حساسية المرحلة ويدعو إلى الحكمة والعقلانية. فالمعركة الحقيقية ليست ضد الشباب، بل ضد اليأس الذي يتسلل إلى عقولهم حين يشعرون أن صوتهم لا يُسمع. والرهان الأكبر ليس أمنيًا، بل تنمويًا وتربويًا، لأنّ الاستثمار في الإنسان هو الضمانة الوحيدة للاستقرار وللمستقبل.
لقد قالها الاتحاد بوضوح: “كسب رهان المستقبل يمر عبر الاستثمار في الرأسمال البشري وتنميته”. وهي جملة تختصر الموقف كله. فكل السياسات، مهما كانت براقة، تظل جوفاء إن لم تجعل من الشباب مركزًا للفعل لا هامشًا.
زكرياء بندالي، الكاتب العام لاتحاد المنظمات التربوية