Tuesday 7 October 2025
كتاب الرأي

مروان بوسيف: إعفاء الملك لرئيس الحكومة في ضوء الفصل 47 والفصول ذات الصلة من الدستور المغربي

مروان بوسيف: إعفاء الملك لرئيس الحكومة في ضوء الفصل 47 والفصول ذات الصلة من الدستور المغربي مروان بوسيف
إن هذه الورقة التي تحاول الإجابة عن سؤال: هل يمكن للملك إعفاء رئيس الحكومة وفقا للدستور المغربي لسنة 2011؟ تأتي بين سياقين:
الأول بدأ بتاريخ 27 و28 شتنبر 2025 ولازال مستمرا إلى حدود كتابة هذه الصفحات، وهو ما أطلق عليه بــ "احتجاجات -الجيل ز: Z Generation- " والثاني هو الخطاب الملكي المرتقب بتاريخ الجمعة 10 أكتوبر 2025 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية العاشرة.
السياق الأول، انطلق نتيجة مسيرة لآلاف الشباب بالعديد من المدن المغربية، شباب ينتمون لجيل من أواخر التسعينيات وبداية الألفية الأولى، تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 30 سنة، شباب يرون العالم بالعينين معا وليس بعين واحدة كما هو الحال مع آبائهم وأجدادهم، لأنهم يتقنون أكثر من لغة ويحترفون ما لا يعرفه الجيل القديم.
والمقصود بأن هؤلاء الشباب يرون العالم بالعينين معا هو اطلاعهم على ما يقع في باقي دول العالم سواء في أوروبا أو أمريكا أو آسيا عن طريق الوسائل الإلكترونية التي يحترفون استعمالها واللغات الأجنبية التي يتقنون فهمها، بحيث لا يخفى عليهم شيء مما يعشيه باقي مواطنو تلك الدول التي تحتوي أولاً على منسوب عالٍ من احترام كرامة الإنسان وثانيًا توفير تعليم ذي جودة عالية وثالثًا مرافق صحية تليق بسمعة البلاد الذي يعيشون فيه.
هذا الأمر، دفع بالكثير من الشباب إلى مقارنة ما يعيشونه من قهر وتخلف على مختلف المستويات في وطننا المغرب مع ما يعيشه أولئك المواطنون الآخرون من رفاهية وكرامة وسعادة، وعلى ضوء هذه المقارنة التي لم تظهر بين عشية وضحاها بل كانت نِتاج تراكمات بين ماضٍ سحيق ومستقبل غامض مجهول، تمَّ تشكيل حراك شبابي نتج عنه الخروج بمطالب واضحة، لا تهمهم فقط بل ترتبط بالشعب المغربي قاطبة، والتي تلخصت أول الأمر في ثلاث مطالب أساسية: وهي إصلاح مجال التعليم العمومي وتطوير قطاع الصحة العمومي وتوفير فرص الشغل لضمان العيش الكريم الذي يليق بالإنسان.
إلا أنه بعد مرور أكثر من 5 أيام من الاحتجاج وما صاحبه من تأزم للوضع بين القوة العمومية والمحتجين من الشباب، وما ترتَّب عنه من ممارسة العنف العمومي خارج القانون من طرف بعض رجال ونساء القوة العمومية مع القيام بأفعال النهب والاعتداء على الملك العام والخاص التي صدرت عن بعض مما نصَّبوا أنفسهم ضمن المتظاهرين من -الجيل ز: Z Generation- وانتسبوا لها، وكل ذلك حدث أمام مرأى ومسمع الجميع، في مقابل سكوت رهيب وغير مبرر للحكومة.
وبعد ضغط إعلامي وطني، وتعالي مختلف الأصوات، سياسية كانت أو مجتمعية، قرَّرت الحكومة أن تخرج من وضع الصمت والسكون إلى وضع الحركة وإيجاد الحلول، فأصدرت بلاغًا من طرف الأغلبية المُشَكِلَة للحكومة، أقل ما يقال عنه، أنه بلاغٌ جاف لا يحتوي على المعقول من الكلام قبل أن يكون محسوسا لدى طائفة الشباب التي تنتظر ممن يُحِسُّ بها ويستمع لنبض الشارع الذي يغلي حولها بالعقل والقلب.
وقد خلَّف هذا البلاغ غضبا شعبيا بين مختلف أطياف -الجيل ز: Z Generation-، معتبرين أن اللغة التي كُتِبَ بها تحتوي على التهكم، وينم عن التعامل ببرودة وعدم الاكتراث بما يقع في مختلف المدن. وما زاد الطين بلة هي الخرجات التي قام بها بعض أعضاء الحكومة التي سكبت الزيت على النار عِوض أن تبعث عن الاطمئنان والارتياح، مما دفع -الجيل ز: Z Generation- بالمطالبة بالإضافة إلى إصلاح التعليم والصحة وضمان العيش الكريم إلى إعفاء رئيس الحكومة وإقالة أعضائها مع تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، بطلب موجه إلى الأعتاب الشريفة، ورسالة عنوانها العريض "طلب من -الجيل ز: Z Generation- إلى جلالة الملك بإعفاء الحكومة إقالة رئيسها"، رسالة مضمونها إنقاذ وطننا المغرب من الـخطر المحذق به ووقف السرعة المفرطة التي يسير بها في الاتجاه الخاطئ.
هذا المطلب الشعبي للجيل ز: Z Generation، وإن كان من حيث ظاهر مقبول مجتمعيا وممكن سياسيا، إلاَّ أنه يصطدم بـمحاذير ونصوص دستورية، مما يترتب عنه صعوبة قانونية في تفعيله، نظرا لأن الإعفاء كقرار دستوري وسياسي يمارس من طرف جلالة الملك بمقتضى ظهير ملكي طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 42 من دستور 2011 التي تنص على أنه "يمارس الملك هذه المهام، بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة صراحة بنص الدستور". وتوقع هذه الظهائر بالعطف من طرف رئيس الحكومة إلاَّ ما استثني صراحة بموجب الفقرة الأخيرة من الفصل 42 من الدستور، والتي من بينها الحالة التي يعين فيها الملك رئيس الحكومة والحالة التي يقدم فيها رئيس الحكومة استقالته وما يرتب عنها من إعفاء الحكومة بأكملها.
وبقراءة الفصل 47 من الدستور المغربي قراءة حرفية، يجعلنا نخرج باستنتاج أوحد، أنه لا يمكن للملك أن يقيل أو يعفي رئيس الحكومة بشكل مباشرة، لأن هذا الفصل يمنح للملك سلطة إعفاء أعضاء الحكومة دون إعفاء رئيسها، وهذا التوجه الدستوري يمثل إحدى تجليات الاختيار الديموقراطي المبني على أساس سيادة الشعب كمصدر لسلطة الدولة -تنفيذيا وتشريعيا-، ومن ثم لا يمكن للملك أن "يسود ويحكم" في آن واحد وهو ما يصطلح عليه دستوريا بــ "بالمكية الدستورية". لأن السيادة تُفترض للشعب، والحكم يتم من خلال ممثليه المنتخبين، وبمعنى آخر أن الشعب من انتخب رئيس الحكومة عن طريق التصويت الانتخابي كاختيار ديموقراطي، والذي يعد إحدى الركائز الأربع للأمة المغربية طبقا للفقرة 3 من الفصل 1 من الدستور.
والحق يقال، هو نفس التوجه نجده مكرس في العديد من الدساتير الوطنية للدول التي يقوم نظام حكمها على الملكية الدستورية وليس الملكية المطلقة، ومن ذلك على سبيل المثال، الدولة الإسبانية التي يقوم نظام حكمها على ملكية دستورية كذلك، إذ بالرجوع لدستورها لسنة 1978 كما عدل وتمم بتاريخ 17 فبراير 2024 وخاصة الفصول 62 و99 و100 و101 نجدها لا تعطي للملك الإسباني الإمكانية الدستورية المباشرة لإعفاء أو إقالة رئيس الحكومة، ولا يمكن أن تتم الإقالة إلاَّ عبر تصويت سحب الثقة في البرلمان من الحكومة، أو استقالة رئيس الحكومة بشكل مباشر، أو فشل المترشح المقترح من طرف الملك لرئاسة الحكومة في نيل ثقة مجلس النواب بعد الفوز بالانتخابات خلال مرحلة التشكيل حكومي، وذلك إعمالا للقاعدة الدستورية أن الملك "يسود ولا يحكم".
إلاَّ أن هناك آلية دستورية أخرى يمكن من خلالها إسقاط الحكومة برئيسها وأعضائها، نظمها دستور 2011 لأول مرة كآلية دستورية جديدة تقوي "المعارضة البرلمانية"، وهي ما يصطلح عليها بــ "ملتمس الرقابة"، وذلك من خلال تفعيل الفصل 105 دستور 2011 من طرف مجلس النواب دون مجلس المستشارين، ولا يقبل الملتمس إلا إذا صدر ووقع من طرف خمس الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، وهو سلاح فعال عادة ما تمارسه المعارضة البرلمانية، التي تتوخى إسقاط الحكومة لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية اقتضتها الضرورة السياسية، وذلك مواكبة لما يقع في المجتمع من تظاهرات واحتجاجات من شأنها زعزعة استقرار أمن الدولة وتهديد كيانه، وهو ما يحصل الآن من هاته الاحتجاجات التي نظمت وخرجت للعلن من طرف -الجيل ز: Z Generation-، وإذا ما تم التصويت على ملتمس الرقابة بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، فإن ذلك يلغي الوجود الدستوري للحكومة، ويؤدي تبعا لذلك إلى إسقاطها وتقديم استقالتها استقالة جماعية.
وملتمس الرقابة، هو سلاح دستوري بيد البرلمان، يمكن تفعيله لمساءلة الحكومة مساءلة سياسية، والذي قد يترتب عنه إما إسقاطها أو استمرارها في مهامها. ولم يثبت في تاريخ البرلمان المغربي أن تم إسقاط أي حكومة عن طريق ملتمس الرقابة كآلية دستورية، رغم تقديمه أكثر من مرة، من ذلك الملتمس الأول بتاريخ 15 يونيو 1964، المقدم من طرف فريق "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" بمجلس النواب، استنادا إلى الفصل 81 من دستور 1962، و الثاني كان بتاريخ 14 ماي 1990، قدم من طرف الفريق الاستقلالي باسم فرق المعارضة بمجلس النواب "الفريق النيابي الاتحادي، التقدم و الاشتراكية، منظمة العمل الديموقراطي الشعبي"، و ذلك تطبيقا للفصل 75 من دستور 1972، و لم يترتب عنهما إسقاط الحكومة، أو سحب الثقة منها، بالنظر إلى عدم التصويت على ملتمس الرقابة بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، و هو ما يعني وفقا للدستور استمرار الحكومة في مهامها أي تجديد الثقة في الحكومة.
وإن إعمال الفصل 105 من الدستور المغربي من طرف مجلس النواب استجابة لاحتجاجات -الجيل ز: Z Generation-، سيواجه بالفشل لا محالة، لأن الدستور المغربي لسنة 2011 استلزم للموافقة على ملتمس الرقابة أن يتم التصويت عليه بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، وهذا سيضع البرلمان أمام استحالة واقعية ودستورية، نظرا لأن الحكومة الحالية "حكومة أخنوش" تحوز الأغلبية الحكومية والبرلمانية المكونة من ثلاث أحزاب وهي التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، وهو ما لا تملكه أحزاب المعارضة مجتمعة، ومن ثم فسلوك ملتمس الرقابة من طرف مجلس النواب مآله هو الفشل وعدم الموافقة.
تبقى في الأخير، أن نشير إلى أن هناك خيار آخر دستوري يمكن تفعيله من طرف جلالة الملك، والمتعلق بحل مجلسي البرلمان أو حل أحدهما بظهير ملكي تطبيقا للفصل 51 من الدستور، من أجل الدفع برئيس الحكومة بتقديم استقالته اختياريا من حيث الظاهر، نظرا لعدم وجود ما يلزمه دستوريا في الفصول 47 و51 و96 و97 و98 بتقديمها، لكن من حيث الباطن فهي استقالة مقنعة بضغط سياسي ودستوري من طرف جلالة الملك، وفق منطق دستوري يفرضه الواقع المجتمعي والسياسي الذي تعيشه البلاد مع تزايد احتجاجات -الجيل ز: Z Generation-.
وفي الختام، ومن منظورنا الشخصي المبني على تأويل موضوعي وقراءة تنسجم مع روح النص الدستوري، نرى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الفصل 47 من الدستور بدوره ليس فيه ما يمنع الملك بشكل صريح من إعفاء رئيس الحكومة، لأن المنع يكون بنص واضح، والأصل في الأفعال والأشياء الإباحة والجواز، أي مادام الفصل 47 من الدستور لا يمنع، فإنه يبقى للملك ممارسة صلاحية إعفاء رئيس الحكومة في ظل غياب هذا المنع، وقبل هذا أو ذاك، فالملك هو رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة والضامن لاستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها عملا بالفقرة 1 من الفصل 42 من الدستور المغربي. أو بطريقة أخرى وعملا بالفقرة 3 من الفصل 47 يمكن للملك أن يُقْدِمَ على إعفاء جميع أعضاء الحكومة -الوزراء- دفعة واحدة، وهذا الإعفاء الكلي لأعضاء الحكومة من المرجح أن يضع رئيسها أمام خيار تقديم استقالته تطبيقا للفقرة 6 من الفصل 47 حتى لو لم يكن يرغب في ذلك في بادئ الأمر، لكن واقع الحال سيدفعه لا محالة إلى تقديمها، احتراما للاختيار الديموقراطي الذي وضعه أول مرة على رأس الحكومة، ومن ثم استجالة للحراك الشبابي الذي يقوده -الجيل ز: Z Generation-.
هذا التوجس والترقب حول ما سيقع مع هذه الحكومة ومآلها السياسي، الذي يعيشه المجتمع المغربي بشكل عام والجيل ز: Z Generation على وجه الخصوص، سيتم الإجابة عنه في الأيام القليلة المقبلة، ابتداء بالخطاب الملكي المرتقب بتاريخ 10 أكتوبر 2025 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية العاشرة، وإلى حدود ذلك الحين، لا يسعنا إلى أن نردد ما قاله الشاعر "قراد" للملك "النعمان":
 
                   فإنْ يكُ صدرُ هذا اليومِ وَلّى *** فــإنّ غـدًا لناظرهِ قريبُ
 
مروان بوسيف ، أستاذ جامعي