الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

نداء عبد العزيز: العودة الممكنة للقوى الديمقراطية التقدمية

نداء عبد العزيز: العودة الممكنة  للقوى الديمقراطية التقدمية نداء عبد العزيز

ننطلق في هذه الورقة من قناعة مفادها أننا نعيش اليوم كمجتمع مغربي لحظة تاريخية مفتوحة على احتمالات عديدة . أية هذه الاحتمالات يمكننا ترجيح كفتها كقوى وطنية ديمقراطية تقدمية تطمح لبناء دولة المواطنة والحق والقانون .

لأسباب عملية وسياسية سننطلق من التساؤل حول الانتخابات القادمة و الرهانات الممكنة بالنسبة للمؤسسات التنفيذية و التشريعية و المنتخبة ؟

 

إذا عدنا للتجربة التي انطلقت بالانتخابات الجماعية لسنة 1976، يمكن القول على أنها لم تعد تنتج سوى نخبا فاشلة أو فاسدة . العوامل كثيرة جدا، منها ما يعود لقصور موضوعي في الرؤية العامة للقوى الديمقراطية، فهذه القوى كانت تراهن على نوع من الحتمية التاريخية التي تقول بأن الديمقراطية ستنتصر ما دامت تحتكم للعقلانية و مفهوم الخير العام. بينما برهنت التجربة على أن الديمقراطية معركة مفتوحة يمكن أن تفوز فيها القوى المهيمنة والمسيطرة بحكم قوتها المتمثلة في تملكها السلطة السياسية والادارية والاقتصادية بل الثقافية.

 

قد يكون الفوز الكبير في هذه المرحلة الممتدة على مدى خمسة وأربعين سنة هو أن الاختيار الديمقراطي فرض نفسه على كل القوى المجتمعية و كلّ يوَظّف كل الوسائل المتاحة لديه. لكن ممارسة كل هؤلاء المتدخلين انتهت لأعطاب و لعجز دائم يجعلها غير منتجة وبالتالي اصبحت أكلافها أكثر بكثير من مردوديتها على المجتمع والدولة والمواطنين.

 

في عالم اليوم وتطوراته الهائلة لا يمكن للوضع المغربي أن يستمر بسبب اشتداد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، و بسبب الأزمات البيئية والمناخية التي جعلت الكوكب الأرضي وحدة واحدة وهو ما يتأكد اليوم سلبا مع جائحة الكوفيد 19.

لقد بينت هذه الازمة الصحية الخطيرة أن بلادنا غير قادرة على مواجهة كل نتائجها و تبعاتها. وأن الخيارات المتاحة محدودة سواء لجهة الإمكانيات المالية أو البشرية. وبأن الاختلالات الحالية لا يمكنها أن تستمر.

 

تحاول الدولة استباق التطورات المتوقعة بالإعلان على حزمة من القرارات الاصلاحية. فهل ستأتي فعلا أكلها ؟ لا نظن ذلك. و السبب هو أن الحلول المقترحة تأتي دائما عبر منطق الدولة المركزية التي تفكر في كل شيء، و تعتقد في قدرتها على الإتيان بأفضل الحلول الممكنة. إنها استمرارية برهنت عن عجزها عبر التوجهات والسياسات الأحادية التي طبقت منذ 1956 ، إلا ما كان من ومضت حكومة عبدالله ابراهيم القصيرة جدا في بداية الستينات..

 

هل يمكن طرح السؤال العقدة : هل يمكن المراهنة على الانتخابات لكي تكون لحظة تحول حقيقية في مسار مغرب اليوم ؟

النظرة السائدة لحد الساعة هي أن دار لقمان ستبقى على حالها وبأن التحضيرات الجارية تندرج في استمرارية مُحَيّرة. هل يعني هذا أن هذه الانتخابات لن تحدث أي تغيير بل قد تساهم في مزيد من تعقيد الأوضاع وتفاقمها ؟

 

إذا كانت الفئات العليا في المجتمع قد استفادت من نوعية الممارسة السياسية الحالية بما حققته لها وما زالت تحققه من اغتناء وتراكم الثروات، فإن أي تغيير لن يحصل .

لقد استطاعت هذه الفئات عبر إمكانياتها الواسعة والمتنوعة من فرض وجودها داخل المؤسسات المنتخبة كلها وفي الجهاز التنفيذي . إنها اكتسبت مهارات تتيح لها السيطرة على الهيئة الناخبة عبر شراء الأصوات في مختلف محطات عمليات التصويت وجعلت هذه الممارسة إن لم نقل مقبولة فمسكوت عنها بشكل شبه جماعي.

 

ترى هل فعلا أن كل الأبواب مغلقة أمام معارك انتخابية مختلفة عما هو عليه الأمر حاليا ؟

 

للإجابة عن هذا التساؤل لا بد من العودة لحدث 20 فبراير، الذي كان ردا نوعيا على هذا الواقع المختل. ومنذ 2011 لم يتوقف مسلسل التعبير عن الرفض الشعبي له فعمت الاحتجاجات مختلف الجهات والمناطق. إلا أن الوضع بقي محجوزا بسبب غياب البرنامج السياسي القادر على بلورة هذا الاحتجاج وجعله قاعدة ومنطلق لمرحلة جديدة أرقى من العمل السياسي . هذه هي أطروحتنا و مقترحنا للقوى الديمقراطية التقدمية اليوم. لا يكفي طرح هذا المقترح إذ لا بد من استعراض العناصر الموجودة أو الضرورية لكي يصبح برنامجا قابلا للتبني والتنفيذ.

 

ـ أول هذه الشروط: الحسم بالنسبة للقوى الديمقراطية التقدمية في مسألة عُقم الديمقراطية التمثيلية و تحوُّلها لعنصر جمود وتجميد وعائق قوي أمام تطور الحقل السياسي والمجتمعي عموما. هذا لا يعني أن الفرصة سانحة لترك آليات هذه الديمقراطية التمثيلية ولو من باب موازين القوى .

فما العمل إذن؟ ليس على القوى الديمقراطية التقدمية سوى أن تجتهد في التفعيل الديمقراطي لدستور 2011 ، الذي كان من إيجابياته التنصيص على خيار ديمقراطي آخر، فدستور 2011 ، أتى بالديمقراطة التشاركية التي جُمِّدت تماما ولم تجد من يتبناها كبديل ممكن وضروري.

 

هل تستطيع القوى الديمقراطية تبني مبدئيا هذا الإختيار، و إعلانها رسميا موقفها المبدئي والسياسي من الديمقراطية التمثيلية ؟

 

هذا الموقف لو اتخذ فسيكون لوحده تغييرا هائلا وموضوعيا "لقواعد اللعبة" وبالتالي سيفتح الطريق أمام تنقيل المعارك نحو فضاءات وممارسات جديدة تعطل وتبْطل الكثير من الأساليب التي أفسدت ولا زالت تفسد العمليات الانتخابية و الأهم أن هذا الانتقال ممكن حتى في ظل غياب هذا الإختيار عند الفاعلين السياسيين الآخرين. لأن الخطوة التالية بعد اتخاذ وإعلان الموقف المبدئي سيتيح للقوى الديمقراطية كامل الحرية في طرق اشتغالها الداخلي الذي تحكمه وتضمنه لحد الساعة القوانين الجاري بها العمل، وعلى رأسها قانون الأحزاب و مدونة الانتخابات .

إن شروع القوى الديمقراطية التقدمية في التطبيق الفعلي للديمقراطية التشاركية يمكن أن ينحصر اليوم في نقطتين فقط : وضع البرامج الانتخابية برمتها و تشكيل فرق المترشحين. إن المراهنة على هذا التوجه هو لإعادة بناء جسور الارتباط والثقة بين الفاعل الحزبي والمواطنين وبالتالي توفير حد أدنى من شروط استعادة القاعدة الانتخابية للمعترك الديمقراطي وهذا رهان نوعي لا بد من الاشتغال عليه . كما أن هذا التّحوُّل سيعيد للفعل السياسي طابعه العمومي والتطوعي ويُخرجه من منطق السوق والمعاملات المالية المفسدة.

 

لكن هل يمكن تدشبن هذا الخط السياسي والقوى الديمقراطية التقدمية مشتتة بهذا الشكل الدراماتيكي ؟ الإجابة واضحة، إن اختيار الديمقراطية التشاركية يسقضي على جل عوامل التفرقة والتشتت الحالي ويجعل التنظيم المندمج والموحد شرط من شروط ممارسة فعل للديمقراطية التشاركية، ولهذا نقول بأن اللحظة هي للذهاب فورا نحو مؤتمر اندماجي بين أحزاب و قوى يسارية عديدة ومن بينها أحزاب فدرالية اليسار ومجموعة البديل التقدمي .

 

على سبيل الختم : أود التذكير من أن تجربتنا كقوى تقدمية استكانت لاعتقاد واهم من أن الصراع الديمقراطي محسوم سلفا لصالحنا. وقد برهنت التجربة منذ 1976 على خطأ هذا التصور. وعلينا أن ننتبه ونحن مقبلون على مرحلة جديدة أن نكون حذرين و نعمل بقوة انطلاقا من قناعة مفادها أن الصراع الديمقراطي صراع لا حتمية فيه، وبأن الفائز هو الأكثر تنظيمات والأقدر على تحقيق التراكمات وعدم التفريض أو تبخيس المنجزات والمكتسبات.

 

عبد العزيز نداء، عضو لجنة التنسيق الوطنية لمجموعة البديل