السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد السلام الصديقي : تدابير لإنعاش التشغيل

عبد السلام الصديقي : تدابير لإنعاش التشغيل عبد السلام الصديقي
لقد أثرت الأزمة بسبب تراجع النشاط الاقتصادي، بشكل كبير على التشغيل، فالبطالة التي كانت مرتفعة أصلا قبل الأزمة الحالية، خاصة في أوساط الشباب،مُرَشَّحةٌ لأن تزداد تفاقما الآن وفي المستقبل.
أجل،بالإمكان إرساءُ مخطط طموح للإنعاش يُمَكِّنُ من الحفاظ على مناصب الشغل، ولِــمَ لا خلق مناصب جديدة، إلا أن هذا المجهود سيظل غيرَ كافٍ،إذا لم يتم إرفاقه بتدابير خاصةوهادفة لفائدة التشغيل.
ينبغي العمل فورا على تحفيز المقاولات من أجل أن تستعيد نشاطها، مع وضع هدف استرجاع كافة العمال والشغيلة،في أقرب الآجال، ويمكن أن تتخذ هذه التحفيزات أشكالا مختلفةجبائيه،ماليةواجتماعية. وبهذا الصدديتعين استبعاد أي حل مُــنَــمَّط لكونه لن يكون مجديا ولن يؤدي بالتالي إلى تحقيق المبتغى.
منجهةأخرى، علينا أن ننتظر، وهو أمر شبه مؤكد، عجز بعض المقاولات، وخصوصا منها الصغيرةوالمتوسطة، على التعافي من آثار الأزمة واكتساب القدرة على مواصلة نشاطها.وبدل الحكم عليها بالإفلاس النهائي، ينبغي على السلطات العموميةأن تتدخل بكل ما لديها من قوةلإنقاذالآلة الإنتاجية، وبالتالي إنقاذ التشغيل. على هذا المستوى،بإمكانالدولةوالأجراء المنتمين إلى المقاولة،أن يساهموا في رأسمال المقاولة، وهو ما سَيُمَكِّنُ هذه الأخيرة من تفادي المديونيةالمفرطة، وتشجيع العمال على تقاسم المسؤولية والإمساك بجزءٍ من مصيرهم بين أيديهم، فلقد أعطى هذا الحل المُجَرَّبُ نتائج مُرْضيه، ولا نظن أنه لن ينجح أيضا في المغرب.
كما يتوجب القيام بمجهود قوي لصالح الأنشطةالاقتصادية التي تخلق،بكثافة، مناصب الشغل،كتلك التي ترتبط بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني والأوراش ذات النفع العام، كغرس الاشجار المثمرة، وتجديد الغابات،ومعالجة تلوث الشواطئ،ومساعدة الأشخاص ذوي الاحتياجاتالخاصة، وتسريع محاربة الأمية، مع خلق "جيش للمعرفة"، فهذه الأنشطة تتميز بإمكانية امتدادها على مجموع التراب الوطني، وأيضا بكونها تهم حياة المواطنين عن قُرب.
نفس الاهتمام ينبغي أن يُعطى لمصالح القرب (مقاهي، مطاعم،...). وللمهن المُمَارَسَة من قِبَلِ المستقلين بصفتهم مقاولين ذاتيين، حيثأن هذه الأنشطة تضمن العيش لملايين من الأشخاص، ويكفي أن تقوم الدولةبإشارة التفاتية، وذلك باستعمال آليةمناهضةالأزمة، من أجل إعادة التشغيل.
إن الأزمة هي لحظة هدم وإعادة بناء، تماشيا مع قانون شامبتير/ Schumpeter القاضي"بالهدم الخلاق"، وهو ما يعني أن هناك أنشطة ومهن جديدة ستظهر بالتأكيدإلى الوجود، فيما ستؤول أخرى إلى الاندثار.
وعلى الدولة، بصفتها ذات رؤيةواستراتيجية،أن تستعد لهذه التحولات التي تلوح في الأفق،من أجل إطلاق برنامج واسع للتكوين في هذه المهن الجديدة،لِــيَهُمَّ الشباب الذينلا يزالون في طور التكوين، والذين فقدوا شغلهم بصفةنهائية، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال التكوين في المجال الرقمي، والاقتصاد الأخضر، والطاقات المتجددة،ومهنالصحة،والمساعدين والمساعدات في الشؤون الاجتماعية...
كما أن هذه الأزمة هي مناسبة للقيام بالمراجعات الضرورية لبعض الممارسات والسياسات التي أبانت عن محدوديتها.،فالجائحة أهدت إلينا مرآةًمُكَبِّرَةً لمشاكلنا وخصوصا فيما يتعلق بالهشاشة، وعليه ينبغي طي صفحة العمل الرخيص،والهشاشة في العمل بصفة نهائية. وعلى المقاولة، وخاصة الكبرى والمتوسطة،أن تدرك بأن الإنتاج في المغرب واستهلاك ما هو مِنْ صنعٍ مغربي، له متطلباته المتمثلة في اعتبار الأجرة ليست مجرد تكلفة إنتاج ينبغي التخفيض منها، بل على العكس، فهي مكون أساسي للطلب وجبالزيادة فيه.
فمردودية المقاولة التي تعتبر ضروريةلمواصلة النشاط الإنتاجي، لا ينبغي أن تتم على حساب المأجورين وصحتهم، بقدر ما تتطلب الاستثمار في الابتكار وتحسين الإنتاجيةوإعمال المناهج التشاركية والمجددة في التدبير،ومن ثمة لا نفهم الاعتراض الذي عبر عنه أرباب العمل بخصوص تطبيق زيادةخمسة في المئة (5%) في الحد الأدنى للأجر، كما تم التوافق عليه في إطار الحوار الاجتماعي:إنه بصراحة موقفٌ بئيس وليس في محله بتاتا.
إن الشغل لا يمكن له، على الإطلاق،أن يمس بكرامة الانسان، فالعمل وُجد لضمان هذه الكرامةوتمكين الذين يمارسونه من التحرر والازدهار، وعليه فالعمل ينبغي أن يكون شغلا لائقا، وهو ما يعني أجرةمحترمة تغطي تكاليف إعادةإنتاج قوة العمل للعامل ولأسرته التي يُعيلها،فضلا عن التأمين ضد الأخطار كحوادث الشغل والأمراض المهنيةوالتأمين ضد البطالة،والتغطية ضد التوقف النهائي عن العمل (التقاعد)،وإمكانيات الولوج إلى الثقافة ووسائل الترفيه...
كما ينبغي مراجعة حكامة سوق الشغل، بتعميم الوساطة المؤسساتية بين العرض والطلب،حيث إن الطرق المستعملة لحد الساعة في سوق الشغل من شأنها الحط من كرامة الانسان،إذ يلجا أزيد من ثلثي الباحثين عن الشغلإلى دق الأبواب والوقوف في الأماكن العموميةالمعروفةبـ "الموقف" ليعرضواقوة عملهم للبيع!فهذه الممارسة التي تعود بنا إلى القرون الوسطى ينبغي القطع معها بدون رجعة.
كما قد حان الوقت لتحويل أنابيك/l’ANAPEC، الوكالةالوطنيةلإنعاش التشغيل والكفاءات،إلى وسيط حقيقي في سوق الشغل، مع تغطية مجموع التراب الوطني والانفتاح على كل طالبي الشغل أياً كان مستوى تكوينهم،وبالطبع هذا يتطلب إمكانيات بشريةوماديةمتناسبة من الضروري رصدها.
وفي جميع الحالات، علينا أن نُغلب المقاربةالتشاركية والحوار الاجتماعي، فلا شيء يدعو إلى تهميش ممثلي العمال،فالنقابات ضرورية لخلق التوازن داخل المقاولة، وكل إضعاف لها يمس بهذا التوازن الذي يعتبر أساس السلم الاجتماعي.
وما دامت الطبيعةلا تقبل الفراغ،فحينما تغيب النقابات يظهر ما يسمى بـ"التنسيقيات" التي من شأنهاأن تزرع الفوضى وتضع المقاولة في موقع الرهينــــــة.
إن الخيار الأنسب واضح للعيان،اليوم، ما بين الحوار وما بين الفوضى.