الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عزيز لعويسي: السنة الدراسية .. السيناريو المنتظر..!!

عزيز لعويسي:  السنة الدراسية .. السيناريو المنتظر..!! عزيز لعويسي
جائحة وباء كورونا المستجد - كوفيد 19 - فرضت توقيف الدراسة "حضوريا" واللجوء الاضطراري إلى آلية "التعليم عن بعد" ضمانا لما سمي بالاستمرارية البيداغوجية، على غرار ما اعتمدته معظم المنظومات التربوية عبر العالم، ودون النبش في حفريات هذا النمط من التعليم، وما أثاره ويثيره من ملاحظات شكلية وموضوعية لا مجال للخوض في تفاصيلها، ما هو مؤكد، أن الجائحة أربكت سيرورات السنة الدراسية والجامعية والتكوينية بكل محطاتها، وأربكت الأطر الإدارية والتربوية والتلاميذ والطلبة والمتدربين والأسر على حد سواء، بعد التوقف الفجائي للدراسة والتموقع في صلب وضعية تعليمية تعلميةغير مألوفة، لا أحد كان مهيئا ومستعدا لهالا نفسيا ولا ماديا ولا تقنيا.
وفي هذا الصدد، وبالقدر ما يمكن تثمين ما بذل ويبذل من مجهودات متعددة المستويات حرصا على "الاستمرارية البيداغوجية" في زمن الجائحة العنيدة، بالقدر ما يستوقفنا ما يعتري المشهد التربوي بكل مستوياته (المدرسي، الجامعي، التكويني) من ضبابية وإبهام وغموض رؤية لثلاثة اعتبارات أساسية :
-أولها: الاقتراب من موعد نهاية حالة الطوارئ الصحية في أفق 20 ماي الجاري.
-ثانيها: الاقتراب من فترة انطلاق الاستحقاقات الاشهادية والامتحانات الجامعية والمهنية ، والتي أعلنت عنها الوزارة الوصية في فترة سابقـة.
-ثالثها: امتداد وسريان عملية "التعليم عن بعد " منذ تاريخ 16 مارس الماضي" باستثناء "استراحة محارب" لمدة أسبوع في إطار "العطلة الاستثنائية"، بكل ما ترتب ويترتب عن ذلك، من رتابة وخوف وتوجس بالنسبة للتلاميذ والطلبة والمتدربين والأسر، في ظل هاجس "امتحانات" لا أحد يتوقع موعدها ولا ظروف إجرائها.
ويزداد الوضع تعقيدا والصورة ضبابية، في ظل تناسل الإٌشاعات والأخبار الزائفة التي تنتشر بين التلاميذ كما تنتشر النار في الهشيم، تارة بالإعلان عن سنة بيضاء، وتارة ثانية بالإعلان عن إلغاء الامتحانات والاعتماد على نقط فروض المراقبة المستمرة، وثالثة بتداول أخبار مفادها توجيه الوزير الوصي على القطاع، لمراسلة داخلية إلى رؤساء الجامعات، يدعوهم من خلالها إلى وضع بروتوكول خاص بإجراء الامتحانات، يقوم على عدة ضوابط، منها وضع خيام في مرائب السيارات والملاعب وتسخيرها في اجتياز الامتحانات، وكلها أخبارا زائفة، كذبتها الوزارة الوصية عبر بلاغات في الموضوع، جددت من خلالها الدعوة إلى ضرورة تحري الدقة والتثبت من صحة الأخبار قبل نشرها وعدم الانسياق وراء أي خبر زائف.
موازاة مع ذلك، وفي ظل الغموض الذي يكتنف مستقبل ما تبقى من السنة الدراسية والجامعية والتكوينية، خاصة بعد تمديد حالة الطوارئ الصحية لمدة ثلاثين يوما إضافية، وقياسا لقرارات مجموعة من الدول الأوربية والعربية، والتي حسمت في مستقبل الموسم الدراسي في إطار الحرص على التدابير الوقائية والاحترازية، ازدادت وتزداد حرارة سؤال التلاميذ والأسر والأطر الإدارية والتربوية حول السيناريوهات الممكنة لإنهاء ما تبقى من العام الدراسي، فبرزت بعض الإسهامات في الموضوع، ونخص بالذكر على التوالي التصور الذي وضعته "الهيئة الوطنية لأطر التخطيط التربوي بالمغرب"والسيناريو الذي قدمته "الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأولياء وأمهات التلاميذ"، وبالقدر ما يمكن تثمين إسهامات من هذا القبيل، بالقدر ما نجازف في القول، أن لا أحد في الوقت الراهن، يمتلك "السيناريو المنتظر" لاعتبار وحيد وأوحد، لأن القرار بات مرتبطا بالحالة الوبائية وتطوراتها، وبالتالي، فأي قرار يحدد مستقبل السنة الدراسية والجامعية، لا يمكن فصله أو عزله عن "السيناريوالعام" الذي ستضعه الحكومة للخروج التدريجي من الجائحة المرعبة، وفي ظل هذه الوضعية الشائكة، لم تجد الوزارة الوصية بدا، من الرهان على "الاستمرارية البيداغوجية" بالإعلان عن مواصلة عملية "التعليم عن بعد" بعد نهاية العطلة الاستثنائية، إلى أجل "غير مسمى".
لكن وبالقدر ما نؤكد أن مستقبل ما تبقى من الموسم الدراسي والجامعي، لا يمكن تصوره إلا داخل "السيناريو الحكومي" الذي ستضعه الحكومة للخروج التدريجي من الأزمة، بالقدر ما نؤكد أن القطار التربوي لا يمكنه أن يستمر في السير على سكة الغموض والإبهام والضبابية، بكل ما يحمله ذلك من تداعيات نفسية على الأطر الإدارية والتربوية والتلاميذ والطلبة والأسر، ولا "حرج" أو "عيب" في أن نحدو حدو بعض الدول التي حسمت في مصير العام الدراسي، وذلك باستعجال اتخاذ قرارات شجاعة وحاسمة، تخلص الجميع من مخاض التوجس والترقب والانتظار الذي يزداد عسرا، في ظل تناسل الإشاعات والأخبار الزائفة، ومن باب الإسهام في النقاشات الجارية بخصوص طريقة تدبير ما تبقى من الموسم الدراسي، يمكن من باب الاقتراح، تخليص تلاميذ المستويات "غير الإشهادية" من "كوفيد" الانتظار، باعتماد معدلات الدورة الأولى أو إعلان نجاح الجميع، بما فيها مستوى السنة السادسة من التعليم الابتدائي، حيث عادة ما تقترب نسب النجاح من 100 في المائة، كما أن تلاميذ هذا المستوى هم صغار السن، ويصعب المجازفة والدفع بهم لاجتياز امتحانات إشهادية، لا أحد يمكنه أن يتوقع تداعياتها على صحتهم وصحة محيطهم الأسري، وبهذا الأسلوب التدبيري، ستكون الوزارة الوصية أمام ثلاثة مستويات إشهاديه فقط (الثالثة إعدادي، الأولى بكالوريا، الثانية بكالوريا)، حينها يمكن اتخاذ التدابير المناسبة التي تنسجم وخصوصيات كل مستوى إشهــادي، أما الموسم الجامعي والتكوين المهني، فنرى أن كل قطاع له خصوصيته، ويمكن السير في اتجاه تأجيل مواعيد اجتياز امتحانات السداسيات على المستوى الجامعي، وإمكانية الاعتماد على نقط فروض المراقبة المستمرة بالنسبة لمتدربي التكوين المهني، وكلها تدابير من شأنها تخفيف الضغط على الوزارة الوصية وهي تبحث عن "السيناريو المرتقب" دون المساس بالسيناريو العام الذي تعده الحكومة للخروج التدريجي من الأزمة الشائكـة.
ونختم بالقول، أن "جائحة كورونا" هي جائحة عالمية بكل المقاييــس، أرخت بكل ضلالها على المنظومات الصحية والاقتصادية والاجتماعية عبر العالم، وأربكت كل البلدان بعظمائها وكبارها وبسطائها وصغارها، وخلقت حالة غير مسبوقة من الخوف والهلع والتوجس وسط الملايين من البشر، ونتساءل كممارسين وأولياء أمور، ما قيمة الفروض والامتحانات، وما قيمة التقويم في ظرفية عالمية استثنائية، وفي صلب وباء عالمي مهدد للحياة، ولا ندعو في هذا الصدد، إلى إلغاء امتحان أو تقويم، بل ندعـو إلى استحضار خصوصية المرحلة وتقدير طابعها "الاستثنائي" وتداعياتها النفسية والمادية على الجميع (تلاميذ، طلبة، أطر إدارية وتربوية، أسـر..)، باتخاذ تدابيـر "استثنائية" في زمن "جائحة مرعبة" أفرزت واقعا استثنائيا، ونـرى أن سلامة الجميع أكبر من "نقطة" أو "امتحان" لا يستحضر الأبعاد الإنسانية والنفسية والاجتماعية للممتحنيـن، وعليـه، وفي أفق تاريخ 20 ماي (نهاية حالة الطوارئ -إذا لم يتم تمديدها-)، ندعـو الوزارة الوصية على القطاع، إلى استعجال تنزيل "السيناريو المنتظر" الذي ينتظره الجميع بصبر وتوجس وترقب، حتى تتضح الرؤية ويزول الإبهام، وهي دعوة لكل الفاعلين التربويين ورجالات الفكر والسياسة والإعلام، لخلق نقاشات مسؤولة، من شأنها الإسهام في تنزيل "سيناريو تربوي" يعكس نبض المجتمع، ويستحضر "المصلحة الفضلى" للمتعلمات والمتعلمين، علما أن "الكوفيد العنيد" يفرض تملك "كوفيد" الجرأة والشجاعة والاجتهاد والخلق والإبداع "داخل الاستثنــاء"، متمنيين الصحة والسلامة للجميع، وللوطن دوام الأمن والطمأنينة والرخاء ...
 

- عزيز لعويسي، أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسلك التأهيلي، باحث في القانون وقضايا الأمن والتربية والتكوين