في سياق الحملة التي تتعرض لها الطبيبة سناء إسماعل من طرف أتباع محمد الفايد وحوارييه، بخصوص الدعوة القضائية التي سبقت أن رفعتها ضد محمد الفايد لانتحاله صفة طبيب ونعته الأطباء بالملاحدة، أعادت جريدة "الطريق" فتح هذا الملف من خلال مقال الزميل منعم وحتي، الذي انتصر للطبيبة سناء بإخراج "الوثيقة 95" الشهيرة لمارتن لوثر، التي كانت الشرارة الأولى لفضح استغلال كهنة الدين لسذاجة الناس البسطاء، وفضح خطاباتهم الضاربة في غياهب وسراديب الظلام والأصولية، كما هو الحال بما يفعله محمد الفايد وأمثاله ممن يتنصبون ناطقين باسم الدين والقدرة على خلاص الناس وإدخالهم الجنة..
"أنفاس بريس" تعيد نشر نص مقال منعم وحتي، كما يلي:
"في الـ 31 من شهر أكتوبر 1517 م، قام شخص في الصباح الباكر، وعلق على باب الكنيسة وثيقة من 95 حجة، مفادها أن البابا وقساوسته قد طغوا في الأرض باسم الدين، وأن لا حق لرهبان الكنيسة في بيع صكوك الغفران، حيث كانوا يوهمون أتباعهم بالصفح عن خطاياهم التي ارتكبوها، وقدرة القساوسة على إعفاءهم من العقاب الإلهي بشكلٍ تام، بعد طقوس الاعتراف للكاهن بكلِّ الذنوب والآثام، وتوبتهم أمامه، حيث يتم منحهم وثيقةً خطيَّةً تؤكد الغفران لهم من طرف الكنيسة، مقابل أن يدفعوا مبلغاً من المال.
لم يكن ذاك الشخص سوى مارتن لوثر، أستاذ الفنون وعلم اللاهوت بجامعة فيتنبرغ الألمانية، صاحب الوثيقة 95، والتي كانت الشرارة الأولى للتمرد على طغيان الكنيسة الكاثوليكية، وقد توسع أنصار الوثيقة الجديدة بفضحهم استغلال الكنيسة لسذاجة البسطاء، وفضحهم لتحكم ووساطة الإكليروس في العلاقة بين عامة الناس والله، حيث وصلت الوقاحة بالرهبان، أن أصدروا صكوكا لغفران ذنوب الموتى لزيادة الجبايات من الناس عن أهلهم المتوفين، وتسويق مناديب الكنيسة فكرة بيع قطع أرضية من الجنة مقابل صكوك الغفران.
فتوسعت دائرة تصدي المصلحين الجدد لدجل رهبان الكنيسة، وفضح المتاجرة بالدين مقابل مصالح مادية من جيوب البسطاء السذج، أمام ازدياد أعداد أنصار مارتن لوثر البروتستانتيين [أي: المحتجِّين، بالألمانية واللغات اللاتينية].
يحكي التاريخ، أنه في ليلة من غشت سنة 1572م، ارتُكِبَتْ أكبر مذابح التاريخ، فيما يعرف بمجزرة سَانْ-بَرْتُولِيمِي، حيث قام الجنود الفرنسيون بإيعاز من الكنيسة الكاثوليكية لسان جيرمانوس بمذبحة راح ضحيتها 70 ألف شخصا كانوا ضد صكوك الغفران وسطوة رجال الدين الكنسيين، أغلبهم من النساء والأطفال. والمثير للاشمئزاز أن البابا بيوس الخامس أقام قُدَّاساً لغفران الذنوب كاملة لكل من ارتكبوا مذبحة سَانْ-بَرْتُولِيمِي.
أكيد أن الإسلام أنهى دور القساوسة في علاقة الناس بالله، فلا سماسرة ولا وسطاء هناك، فلماذا يطفو إلى السطح في زمن النوائب والكوارث رهبان متأسلمون، يعيدون بشاعة صكوك الغفران، فأصبحوا يتنصبون ناطقين باسم الدين والقدرة على خلاص الناس وإدخالهم الجنة: الرُّقاةُ والدَّجالون وفقهاءُ السوء، ومدعُو النبوءة، وأفَّاقُو العلاجات الخرافية..
إن تَغَوُّلَ تَشَدُّدِ الوهابية في العالم الإسلامي، وممثليها المتطرفين والغُلاَةِ في بلداننا، يفرضُ على المتنورين والعقلاء إحداثَ ثورةٍ إصلاحيةٍ ضد الدَّجَلِ والمتاجرةِ بالدين، وإعلاءَ قِيَمِ التسامحِ الإنساني والعيش المشترك، فالعقلُ آية الله العظمى.
نحتاج في عالمنا الإسلامي أيضا لتعليق وثيقة 95 خاصة بنا، لنفتحَ بابَ التقدمِ والعلم على مصراعيه أمام شعوبنا".