الجمعة 1 نوفمبر 2024
فن وثقافة

القباج يكشف في "مدارت" التهاني ملامح سيرته الفكرية على مدى نصف قرن

القباج يكشف في "مدارت" التهاني ملامح سيرته الفكرية على مدى نصف قرن عبد الإله التهاني (يمينا) ومحمد مصطفى القباج

استضاف الزميل عبد الإله التهاني، في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" الذي تبثه الإذاعة الوطنية من الرباط، الأديب والباحث محمد مصطفى القباج، في حوار حول مساره الفكري والأدبي ومهامه العلمية، وكتاباته الغزيرة في موضوعات وقضايا مختلفة، وكذا ذكرياته عن وجوه بارزة في الحركة الفكرية والإبداعية الحديثة بالمغرب.

 

في حديثه عن مساره الدراسي الثانوي قال الأستاذ محمد مصطفى القباج "في أواخر ستينيات القرن الماضي ونحن ندرس بالقسم الثاني من الباكالوريا فوجئنا بأن وزار التربية الوطنية قامت بتعيين أستاذ الفلسفة محمد عزيز الحبابي، حيث كان لي أول لقاء معه....وقد حفزني على أن ألتحق بشعبة الفلسفة".

 

ووصف القباج فترة الدراسة الجامعية بأنها كانت "تعج بالأنشطة والندوات العلمية التاريخية والفكرية والأوراش واللقاءات الثقافية حول عدة مفكرين وفلاسفة مثل الكندي وابن سينا وابن خلدون وابن رشد..". هذا الغنى والثراء الفكري "أتاح لنا الاطلاع على العديد من الكتب، وكنت ألتهم الكتب بشكل غير طبيعي، وتعرفنا على أمهات الكتب.."

 

وعن مهامه ومسئولياته التي تحمل قال القباج بأن "المغفور له الملك الحسن الثاني قد شرفني بمهمة المدير العلمي للأكاديمية المغربية"، وفي نفس السياق أيضا قال لقد "شرفني جلالة الملك محمد السادس بتعييني مقررا عاما بمؤسسة عتيدة.."

 

وعن مسارات اشتغالاته في عدة مجالات أشار الأستاذ القباج إلى أنه "في كل المجالات لا يكفي التخصص". مضيفا بأن "المتخصص إن لم يكن على اطلاع بميادين أخرى فهو شبه أمي... هناك أطباء أميين لأنهم لا يخرجون عن تخصص الطب، وكذلك هناك الفيزيائي الأمي لأنه لا يخرج من دائرة الفيزياء...فالعالم المشارك هو الذي يكون له إطلاع على العديد من الأصناف المعرفية لكي يتسلح بهذه الأدوات لتعزيز تخصصه .."مؤكدا "لقد تسلحت بالكثير من المعطيات والمعلومات والمعارف في مجالات متعددة... ما يعطي لتحليلاتي ودراساتي الأثر لما كنت آمله دائما بالنسبة لقرائي".

 

وتحدث ضيف حلقة "مدارات" عن "التكنولوجيا ومجال الرقمنة، والفضائيات الاجتماعية التي أدخلت العالم في عصر جديد وأصبح الكون قرية كبر.. وهو ما أدى إلى تثبيت ما يسمى بالعولمة على المستوى الاقتصادي والثقافي والعلمي"... مضيفا "أعتقد أن مجتمع المعرفة له إيجابيات كثيرة جدا.."، واستاء من "استعمال هذه الأدوات للمس بكرامة الإنسان ونشر الأكاذيب والأوهام والخرافات... إلى جانب المعطيات الحقيقية والصادقة". معتبرا أن "وعي الإنسان يزداد مع النقاش العمومي، وكلما تم تنبيهه للمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها بسبب ذلك".

 

وعلى مستوى قضايا حقوق الإنسان أوضح ضيف الزميل عبد الإله التهاني بأنه "تولى مهام الإدارة التنفيذية بجنيف وكانت مناسبة للاشتغال في مجلس حقوق الإنسان والاطلاع على كيفية التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان"؛ واعتبر أن تلك المرحلة كانت "امتحانا عسيرا" بالنسبة له، لأن الأستاذ محمد مصطفى القباج كان "يدافع عن القضايا العادلة والشعوب المظلومة".

 

أما بخصوص حوار الأديان والحضارات والثقافات فأشار الأستاذ القباج إلى أنه "لما يحضر رجال الدين اليهود والمسيحيين وعلماء الإسلام فغالبا يتناولون قضايا مقدسة لا يمكن المس بها.." مستغربا كونهم "لا يبحثون على القواسم المشتركة التي تؤدي إلى التفاهم والتعيش السلمي وروح المودة والمحبة بين الناس"، مشددا على أنهم "غالبا يتجهون إلى بعض القضايا الخلافية التي لا يجب أن تدخل في حوارات الأديان". مضيفا أنه "في حوار الأديان نتجه أحيانا في تناول هذه المقدسات وعدم الاهتمام بما هو مشترك. كذلك الأمر في حوار الثقافات والحضارات"؛ منبها إلى أنه "إذا لم يكن هناك تكافؤا على مستوى المشاركين والاهتمام بالمشترك لا يمكن أن نصل إلى نتائج".

 

وأكد ضيف حلقة مدارات على أنه "بدأنا نشاهد نوع من الاجتهادات في مجالات العلم والفلسفة، ولكن لم نصل بعد إلى إبداع كبريات الأنساق، لم نخلق نسقا فكريا"؛ وأنه "لم يقلل من قيمة المفكرين العرب"، لكنه "دعا إلى أن نتحرر من الهيمنة الفكرية للآخرين ونبدع أنساقنا واتجاهاتنا وتياراتنا الفكرية". فـ "نحن الآن من حسن الحظ في هذا القرن الجديد نلاحظ أن العرب وكل المسلمين حققوا خطوات كبيرة في مجال إبداع أنساق فلسفية ومدارس أدبية كبرى".

 

في حديث الأستاذ محمد مصطفى القباج عن ذاكرة الفيلسوف عزيز الحبابي، صنفه في خانة "العباقرة" لأنه لم ينبت "كالفطر"، على اعتبار أنه "عاش في مناخ وبيئة علمية وهو تلميذ في ثانوية مولاي ادريس ثانوية الأعيان بفاس". وكان الدكتور عزيز الحبابي "يواصل اتصالاته بطلبة القرويين ويحضر لحلقات علماء الدين في جامعة القرويين، وكان ينتمي إلى السلفية المتنورة بفضل قرابته وتتلمذه على يد محمد بلعربي العلوي". معتبرا أن الحبابي "كانت له معرفة دقيقة جدا بالتيارات الفكرية التي اختار منها ما يناسبه وهو الشخصانية".

واستحضر في حديثه عن شخصية الحبابي بأنه "جالسه وشاركه تأسيس العديد من المؤسسات الفكرية والثقافية" سواء في حقل المجتمع المدني "أسس اتحاد كتاب المغرب والجمعية الفلسفية المغربية، وأسس المجلات (آفاق)". حيث خلص إلى أن عزيز الحبابي "شخصية من الوجوه المشرقة في تاريخ الفكر المغربي بإبداعاته الأدبية والفلسفية والتزاماته السياسية والفكرية... إنه مثقف".