الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

حمداش: ما يجري في الجامعة المغربية بخصوص بعض الأطروحات يستدعي التأمل والنظر

حمداش: ما يجري في الجامعة المغربية بخصوص بعض الأطروحات يستدعي التأمل والنظر عمار حمداش

قال عمار حمداش، أستاذ علم الاجتماع، بجامعة ابن طفيل، في تعليق على بعض البحوث الجامعية الصادرة في الآونة الأخيرة، والتي اعتبرها البعض لا ترقى للمستوى العلمي والمعرفي، إنه لا ينبغي التفاعل مع هذه الأحداث اللحظية وإهمال الجوهر، مستعينا بمقولة "إنشتاين": "إننا بحاجة إلى الصعود إلى قمة الجبل حتى نتمكن من رؤية أوضح لما كنا نقف بجانبه عند السفح.."، واسترسل الباحث في حواره مع "أنفاس بريس"، ليصل إلى معطى كون الجامعة المغربية عموما تحتل مراتب متأخرة، ليس فقط على الصعيد العالمي، بل حتى على الصعيد الإفريقي والعربي...

 

+ كيف تنظر إلى ما راج مؤخرا حول بعض الأبحاث والأطروحات الجامعية من مستوى الماستر والدكتوراه، والتي اعتبرها البعض بحوثا تحاول جر البحث العلمي إلى نقطة الصفر في المغرب؟

- بداية، لست مؤهلا لتقييم أعمال لها أهلها وضوابطها وقواعد تقييمها.. إلا أن هناك مؤشرات وعلامات تطرأ من حين لآخر، تهم موضوعات الدراسات والأبحاث الجامعية، أو تهم السرقات العلمية، أو نوعية وقيمة بعض المنشورات، تدعو إلى تأمل ما يجري والنظر إلى الأمر من منظور أوسع، لا ينجر وراء التفاعلات اللحظية مع الحدث، ويهمل الجوهر. فقد قال إنشتاين يوما إننا بحاجة إلى الصعود إلى قمة الجبل حتى نتمكن من رؤية أوضح لما كنا نقف بجانبه عند السفح.

 

+ لكن هذه البحوث تطرح أكثر من علامة استفهام حول حال الجامعة والبحث العلمي بالمغرب؟

- نحن على علم بالمراتب المتـأخرة التي تحتلها الجامعة المغربية عموما، ليس فقط على الصعيد العالمي، بل حتى على الصعيد الإفريقي والعربي. ونعلم كذلك أن من بين مقاييس ترتيب الجامعات نجد بشكل أساسي الإنتاج العلمي، بكل أشكاله الأكاديمية أو الأساسية والتطبيقية.. لكن لا نعدم بالمقابل تواجد كفاءات وأعمال علمية وبراءات اختراع واجتهادات علمية وفكرية وفنية وأدبية وبحثية في سائر مؤسسات البحث العلمي والتكوين العالي أو الأكاديمي بالمغرب، في التخصصات الاقتصادية والزراعية والجيولوجية والهندسية والرياضية والفيزيائية والطبية والسياسية والإعلامية والقانونية والجغرافية والسوسيولوجية والتربوية والنفسية والإدارية والديموغرافية وغيرها.. ومع ذلك، فإن الجامعة المغربية لا تحتل المكانة المفترض أن تحتلها، باعتبار دورها الريادي كقاطرة تحرك وتقود غيرها من الميادين، وباعتبارها الصورة الأولى التي تظهر عبرها قيمة البلدان والمجتمعات، في عالم صارت السيادة فيه لمن يمتلك العلم والمعرفة.

 

+ أين يكمن الخلل في نظرك؟

- ربما من المفيد بهذه المناسبة العودة إلى زمن مأسسة إنتاج المعرفة بالمغرب، أي المرحلة التي صارت فيها عملية إنتاج المعرفة تتم عبر مؤسسات وهيئات متخصصة، تنفد في ذلك سياسة معلومة وواضحة المقاصد والأهداف، تتصل بالمشروع الاستعماري لفرنسا بالأساس في شمال إفريقيا.. فقد تمت عملية مأسسة إنتاج المعرفة حول المغرب من طرف فرنسا حتى قبل احتلاله، فسخرت لذلك ميزانيات وهيأت الأطر وجندت الكفاءات، وأنشأت البنيات الدراسية والتنظيمات العلمية المتخصصة، وروجت لذلك في وسائل الإعلام، وشجعت التوثيق والنشر، مستفيدة من تجربتها بالجزائر أولا وبتونس بعد ذلك.. ولما احتلت البلاد، سارت على نفس النهج وطورته، فأنشأت معاهد ومدارس عليا للغات والإدارة والعلوم الإنسانية الاجتماعية والدراسات الزراعية والاقتصادية والقانونية والطبية والجيولوجية والأركيولوجية وغيرها.. حيث إن وظيفة البحث العلمي كانت تنمو في تساوق وتفاعل مع أغراض السياسة الاستعمارية، وفي كافة هياكلها وأجهزتها السياسية العسكرية والإدارية والإعلامية والاقتصادية البرية والبحرية وحتى الدينية (الكنيسة)، بل كانت المعرفة تتقدم هذه السياسة وتوجهها.. ولا بد من التذكير أن الكثير من بنيات البحث العلمي والتكوين العالي بمغرب الاستقلال كانت موروثة عن المرحلة الاستعمارية، طبعا بما تمت إضافته من مؤسسات ومعاهد عليا جديدة.. غير أنه يصعب القول بأن سياسة البحث العلمي لمرحلة ما بعد الاستعمار كان لها نفس البناء والهيكلة وذات الوظيفة والزخم الذي كانت عليه خلال مسار استعمار المغرب بمختلف محطاته؛ إذ نادرا ما يحضر البحث العلمي في مؤسسات ومرافق هي في أمس الحاجة إلى ذلك، بالمؤسسات الإدارية أو الأمنية أو العقابية (السجون) أو بالجماعات الترابية أو بالمقاولة الكبرى وبالكثير من القطاعات الوزارية، فتظل الجامعة هي الإطار الأساس للتكوين والبحث، واليد الوحيدة لا يمكنها أن تصفق، علما أن حالها غير مشجع، وخاصة بالمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح..

 

+ هل معنى ذلك أننا نستصدر قرار تبرئة الجامعة والبحث العلمي من الصورة غير المشرفة التي تبدو عليها بمناسبة هذه الأحداث؟

- لا ينبغي أن تخفي عنا الشجرة الغابة. إن المطلوب أولا سياسة وطنية للبحث العلمي، أو مشروع وطني للبحث العلمي.. الجامعة رافد فقط من روافده، وإن كانت رافدا أساسيا. وبناء على ذلك لا بد من تخصيص المخصصات المالية (نحن لم نتجاوز حتى عتبة 1% من الميزانية العامة المخصصة للبحث العلمي بعيدا عن المقاييس الدولية المعمول بها في هذا الباب)، والبنيات الإدارية والموارد البشرية واللوجستيكية للنهوض بهذه السياسة، وفق مخططات وبرامج مسطرة الأهداف ومحددة في الزمان والمكان. وفي ضوء هذه السياسة العامة، لا بد كذلك أن تكون للجامعة سياستها في البحث العلمي، سواء على صعيد التوجهات العامة لسياسة التكوين والبحث العلمي بالجامعات والمعاهد والمدارس العليا الوطنية، أو على صعيد السياسة العلمية الخاصة بكل جامعة.. ونحن نعلم أن الجامعات التي استطاعت أن تحصل على التصنيف الأكاديمي الجيد على الصعيد العالمي هي تلك التي رسمت سياسات متوسطة وبعيدة المدى للبحث العلمي، وبالتالي عملت على إدراج مجمل مشاريع الدكتوراه وفرق البحث واللقاءات الدراسية وبرامج البحث العلمي للأساتذة الباحثين ضمن تلك الرؤية، لأنه في غياب مثل هذه البرامج والمخططات وتلك الرؤية التوجيهية، فإن الطالب الباحث والأستاذ المؤطر لعمله البحثي، قد يفلح في اختيار موضوع البحث وفي إنجازه، اعتمادا في أحيان كثيرة على المجهودات الفردية، وقد لا يفلح.. وبالتالي، فإننا بحاجة إلى تقييم موضوعي لما يجري قبل الإقدام على الخطوات الموالية. أما متابعة الأحداث باعتبارها أحداثا ونسيان الجوهر، فذلك لن يقدمنا كثيرا.