Thursday 14 August 2025
في الصميم

أريري: الداخلة.. هبة إلاهية على المغرب تحويلها إلى "مانهاتن إفريقيا"

 
 
أريري: الداخلة.. هبة إلاهية على المغرب تحويلها إلى "مانهاتن إفريقيا" عبد الرحيم أريري
الجنيرال ليوطي واستعماريو فرنسا، تركوا لنا مغربا مفككا وترابا مثقلا بالأعطاب، لدرجة أن الاستعمار حرص على تنمية مدن الواجهة الأطلسية فقط لتكون جسرا تعبر منه خيرات المغرب المنهوبة من داخل التراب الوطني والموجهة للأسواق الفرنسية. وبعد الاستقلال ظلت بوصلة المغرب مشدودة نحو أوروبا في كل المناحي الاقتصادية.
 
لكن مع مجيء الملك محمد السادس تم قلب الاتجاه وأعاد المغرب إحياء روابطه مع إفريقيا، لدرجة أن حجم الاتفاقيات المبرمة بين المغرب ودول القارة السمراء تجاوز 1000 اتفاقية تغطي مختلف الميادين.
 
وإذا كان الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة عيد المسيرة بتاريخ 6 نونبر2019، قد أشار إلى تغير المعطيات الجغرافية بعد عودة الأقاليم الجنوبية للمغرب، وما تلا ذلك من أن الرباط لم تعد في شمال المغرب، ومن كون أكادير أصبحت تتوسط خريطة المغرب، فإن ذلك يفتح الشهية أمام المواطنين للمطالبة برفع سقف طموح المغاربة إلى الأعلى، بما يقلب المعادلات الجيو-اقتصادية ليس بالمغرب العربي فحسب، بل وفي مجمل القارة الإفريقية، عبر المطالبة ببرمجة مدينة الداخلة لتكون هي «العاصمة الاقتصادية لمملكة محمد السادس».
 
هذا الحلم ليس بالمستحيل، خاصة وأن لنا سوابق مشرقة ربح فيها المغرب الرهان، نقصد بذلك ميناء طنجة الأطلسي الذي قلب الموازين في البحر المتوسط وشكل رافعة لمدن الشمال. وبالتالي علينا الزيادة في الجرعة بشكل أكبر بخصوص وادي الذهب، لأن الأمر هنا لا يرتبط بتنمية منطقة مثلما كان عليه الوضع في ميناء طنجة الأطلسي، بل الأمر يهم تنمية بلد بكامله. 
والمدخل الرئيسي لهذه التنمية هي جعل الداخلة بمثابة «دبي إفريقيا» أو «هونغ إفريقيا» أو «سنغافورة الإفريقية» أو «شنغهاي السمراء».
 
قد ينهض قائل ليقول: إن هذا مجرد حلم!
 
نعم، هو حلم، لكن إذا علمنا أن هندسة المدن ورسم طموح الدول كلها أحلام خلقت من فكرة، آنذاك سنعي أن الداخلة ليست فقط مدينة جميلة توجد في خليج أجمل، بل هي «هبة إلاهية» منحها الله للمغرب، ونحن كمغاربة علينا أن نحسن صنعا باستثمار هذه الهبة الإلاهية عبر جعل المغرب «تنينا إفريقيا».
 
خذوا مثال الصين، ألم تبدأ بحلم صغير وبفكرة بسيطة تتمثل في إحياء «طريق الحرير»، لدرجة أنه لا أحد آنذاك كان يولي اهتماما بهذا الحلم حتى بدأت ملامحه تتبلور على أرض الواقع! 
هاهي الصين تجني اليوم من هذه الفكرة ملايير من الدولارات وعائدات خيالية. 
 
فلماذا لا يحلم المغرب بإحياء «طريق القوافل» مع دول جنوب الصحراء، ونستلهم من التاريخ لتحصين الحاضر من أجل ضمان مستقبل مشرق للمغرب وللمغاربة !؟
 
الصين وضعت مونطاجا ماليا ومؤسساتيا لرعاية "طريق الحرير"، فلماذا لا نقتفي طريق الموحدين ونسترشد بخرائطهم ويرعى المغرب «طريق القوافل» نحو إفريقيا. وبدل أن نعين «قايد يمثل السلطان» في تامبوكتو أو بانجول أو مالابو أو داكار، كما في السابق، علينا أن نحول الأقاليم الجنوبية إلى منطقة حرة عالمية تجعل «الشينوا» أو «الميريكان» و"جابون" و"الكوريين" و"رواسا" و"نجالزا" و"فرانسيس"، يتنافسون على الاستثمار في الصحراء.
 
فالظاهرة الميتروبوليتانية العالمية تتحرك عبر موجات تاريخية: شاهدنا ذلك في كوريا ودبي ثم الصين والهند حاليا، والمغرب مطالب بأن يجر المسار نحو الأقاليم الجنوبية، خاصة وأن لنا كل الإغراءات: إغراءات السوق الإفريقية العذراء الواعدة.
 
فإذا أسقطنا المشاريع العملاقة للطاقة الشمسية ببلادنا، لا نعثر على موقع للمغرب في رادار المشاريع العالمية. لكن بجعل مدينة الداخلة «عاصمة إفريقيا»، فستصبح للمغرب «مانهاتن الإفريقية». ولن يتحقق ذلك إلا باعتماد وثائق تعمير جديدة أكثر جرأة تتمحور حول انشغال مركزي واحد، ألا وهو كيف نجعل من الداخلة «ميتروبولا» يخفف الضغط عن الشريط الأطلسي الشمالي الممتد من الدار البيضاء إلى طنجة من جهة، ولتكون الداخلة بوابة المغرب للقرن 21 لكل من يود العبور نحو إفريقيا. 
 
لكن تقوية الداخلة لا يستقيم إلا بالمضي في مسلسل تقوية العيون وبوجدور وأوسرد والسمارة ( بعد فتح معبر أمغالا) وخلق مراكز حضرية صاعدة بين هذه الأقطاب. خاصة وأن كل المقومات موجودة في الصحراء من موارد بشرية شابة طموحة ودينامية، وموارد طبيعية مهمة من صيد وصناعة بحرية وسياحية ولوجستيك. كما يتوفر المغرب على مؤسسة اقتصادية استراتيجية قوية بإمكانها جر التراب الصحراء إلى الأعلى ونقصد بها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط التي أعطت للمغرب إشعاعا كونيا.
 
ملحوظة:
بمناسبة الذكرى 46 لاسترجاع وادي الذهب( 14 غشت 2025)، ارتأينا إعادة نشر هذا المقال الذي سبق نشره بموقع "أنفاس بريس" بتاريخ 20 فبراير 2019.