المثير في النازلة أنه لما يتعلق الأمر بمصالح المنتخبين المادية، نجد «الماكينة» تشتغل بسرعة البرق لتلبية رغباتهم. خذوا مثلا صفقة كراء السيارات لعمدة الدارالبيضاء والمنتخبين، فهي تمت في رمشة عين: بين المصادقة من طرف مجلس المدينة والمباركة من طرف الولاية والتصديق من طرف وزارة الداخلية والتأشير من طرف الخازن العام للمملكة والتسليم من طرف شركة كراء السيارات. الشيء نفسه يصدق على المحروقات بشأن الحصص (أو البونات) المسلمة للمنتخبين. فما أن تتلى برقية الولاء للملك في ختام الدورة، حتى تتم الهرولة نحو المحطات لضخ البنزين لمص آخر قطرة في «البومبة»! والشئ نفسه يصدق على «بريمات الديبلاصمة والسفريات» داخل وخارج الوطن، حيث «يعتصم» المنتخبون «عند راس القابض المالي بشارع جوج مارس» ليؤشر لهم على الحوالة المالية. لكن لما يتعلق الأمر بمصالح 3.5 مليون نسمة تقطن بمدينة الدار البيضاء فإن «الشفوي والسماوي وتقرقيب السطولة» و«لالا ومالي» يكون سيد الميدان.
الحجة لا تعدمنا في ذلك، فها هو الالتزام الذي طوقت السلطات المنتخبة والمحلية بالبيضاء نفسها به منذ عام 2012 لم تلتزم به لحد الآن. ذلك أن تشغيل الخط الأول من الترامواي بالبيضاء اقتضى إبرام بروتوكول لمصاحبة مرفق النقل الحضري، وهو البروتوكول الذي تضمن التزامات مالية أهمها استثمار كل من «مدينة بيس» و»كازا ترام» في برنامج للتذاكر الإلكترونية لتسهيل تنقل المواطن وتشجيعه على استعمال الحافلة والترام (مثلما هو الحال في أوربا، إذ بتذكرة واحدة يتنقل المواطن في كل تراب المدينة بأسعار مغرية). ومنذ عام 2013 مازال المواطنون ينتظرون تفعيلا للمشروع وينتظرون الضوء الأخضر من المجلس البلدي ومن الولاية ومن شركة التنمية المحلية ومن «مدينة بيس»، رغم ان الآلات الخاصة بالتذاكر تم اقتناؤها بملايين الدراهم وأصبحت الآن غير صالحة بفعل تآكلها بسبب الصدأ.
وها هو الخط الثاني للترامواي تم تشغيله بدون أن يتم تفعيل التذكرة الموحدة بين وسائل النقل الحضري وبدون أن يتحرك أي مسؤول ليقول: «اللهم إن هذا لمنكر»، بل لم يتحرك أي مسؤول لنفض الغبار عن ملف تجديد حظيرة الطوبيسات والإكثار منها لضمان تنقل البيضاويين في ظروف آدمية بدل حشرهم مثل البهائم في طوبيسات نتنة وصدئة لا تصلح حتى لنقل «الجيفة» فأحرى أن تصلح لنقل سكان أهم مدينة بالمغرب.
إن الملايير التي تقتطع من ضرائب السكان لصرفها على الريع الذي ينتفع منه المنتخبون والمسيرون في المؤسسات الترابية والنيابية وفي الإدارة وفي شركات التنمية، إن لم يكن لها عائد نفعي على جودة الحياة الحضرية وعلى تحسين المرافق المحلية فمن الأحسن تعديل الدستور والتشطيب على الأحزاب والمجالس المنتخبة وشركات التنمية والاقتداء بنهج الأندية (التي تستعين بمدربين أجانب) عبر جلب مسيرين ومدبرين من الخارج لإدارة مدننا ومرافقنا، في انتظار أن تلد أرحام المغرب منتخبين وولاة ومدراء مرافق عمومية مهووسين الى حد الجنون بخدمة الصالح العام.