الثلاثاء 23 إبريل 2024
مجتمع

" قشلة "مركز المقيم العسكري بأيت عتاب بإقليم أزيلال شاهدة على عصر فظاعة نظام "السخرة" و "العسة" و "الكلفة "

" قشلة "مركز المقيم العسكري بأيت عتاب بإقليم أزيلال شاهدة على عصر فظاعة نظام "السخرة" و "العسة" و "الكلفة " بنايات قشلة المراقب العسكري ، و القنطرة الحديدية الفاصلة بين مركز أيت عتاب وشلالات أزود السياحية

ـ تجديد طاقة الإنسان وحيويته تحتاج لزيارة جبال الأطلس الشامخة.

جمال الطبيعية البهي، المبتسم لأشعة شمس يناير، المنساب كقطرات الندى على أغصان مختلف النباتات المتوشحة والعطرية ، يحيل السائح والزائر والضيف، على قدرة الإنسان بجبال الأطلس المتوسط على تطويع قساوتها لفائدته، وتحويل منتوج الجبل " الصعب" لطاقة حيوية جذابة وساحرة تنعش الروح والجسد، لذلك لا يمكن للزائر لعرين الأسود الأطلسية أن يعود من رحلته، دون تذوق حلاوة عسل الطبيعة المستخرج من نباتات الجبل البرية، كالزعتر، والزقوم، والطلح ، وأشجار اللوز والصنوبر والزيتون، والخروب....هذه النباتات التي أعطت جودة ونكهة خاصة لمواشي الماعز ولحمها الممتاز كوجبة شهية مطبوخة على مهل في طاجين بلدي تفوح منه رائحة زيت الزيتون الطبيعية والخالصة.

حينما تطأ قدماك مركز أيت عتاب ( المجال الترابي لجماعة مولاي عيسى بن ادريس ) بإقليم أزيلال، وتصافح أناسها البسطاء، الطيبين والكرماء، يتحرر الجسد من تقل روتين الحياة، فتشعر بالتحليق في سماء الإنسانية والحرية والانعتاق، وتجذبك خضرة سلسلة جبال الأطلس المتوسط الشاهقة والبهية، وتأسرك بمناظرها الطبيعية الخلابة وسحرها الأخاذ، حيث لا مجال للمراوغة في استحضار آثار وخطى ملاحم بطولات الأجداد، وصرامة مقاومة وطنية شرسة أذاقت الاحتلال كل صنوف الهزيمة والخوف والهلع بعزيمة وإرادة الانتماء.

ـ "قشلة" المقيم العسكري مركزا استخباراتيا لمراقبة وتتبع حركة ساكنة الجبل.

أغلب الحكايات التي رواها أبناء مجال أيت عتاب عن فترات سوداء من تاريخ الاحتلال الفرنسي، تؤكد أن المنطقة عرفت مقاومة قوية ضد المحتل ، ولم يتم ترويض ساكنتها هناك إلا بعد صراع مرير مع المقاومة الأطلسية التي تشكلت من رجال أشاوش، مؤمنين بقدسية معركتهم الوطنية، تطوعوا لصد العدوان عن أرضهم والدفاع عن عرضهم، وشرفهم.

وحسب ذاكرة أيت عتاب، وأبناء المجال الجغرافي لإقليم أزيلال، فإن المستعمر لم يتمكن من دخول المنطقة إلا بعد صراع مرير مع المقاومين من أبناء جبال لأطلس من أمثال القائد المقاوم محا وحمو الزياني، والكتائب الفدائية التي شكلت حصنا حصينا ضد اختراقات المستعمر بجبال الأطلس وكبدته خسائر كبيرة تحدثت عنها كتابات تاريخ المقاومة المغربية.

ذاكرة المنطقة يسجلها رابط موقع بناية/ فضاء ( القشلة ) مركز مراقبة وتتبع المقاومين المغاربة بجبال الأطلس خلال المرحلة الأولى من الاحتلال الفرنسي، والذي شكل في نفس الوقت مقر سكنى المراقب العسكري، وحاشيته ومحيطه العسكري والمدني.

موقع القشلة الذي اتخذ شكلا هندسيا مستطيلا، أحاطه المحتل بأشجار الكاليبتيس الكثيفة التي يعتبرها أبناء المنقطة أشجار دخيلة على طبيعة نباتات الجبل لأغراض وأهداف متعددة، داخل فضاء المراقبة العسكرية، الذي اصطفت على جنبات محيطه بيوت إسمنتية للسكنى بنوافذ للتهوية والرؤيا، بسقوف شيدت بالقرمود بمواصفات تقاوم تساقط الثلوج والبرد والأمطار، وبجانبها شيدت إدارات لأطر المحتل الفرنسي، حيث سمحت إستراتيجية المركز الاستخباراتي في تلك المرحلة التاريخية بتتبع حركات وتحركات وسكنات المقاومة في كل الاتجاهات الجبلية. وشكل الموقع كذلك نقطة تجميع السجناء، والمواطنين وخصوصا الشباب منهم لتنفيذ قرارات المحتل طبقا لنظام " السخرة" و "العسة" و" الكلفة".

شرايين الطرق وروافدها المنتشرة عبر قمم جبال الأطلس المتوسط، التي تفقدتها جريدة " أنفاس بريس"، خلال جولتها الاستكشافية، وخصوصا تلك الرابطة بين قدم الجبل عند مدخل أولاد عياد، (24 كلم) صعودا صوب أيت عتاب، ومنطقة أزود السياحية ( 25 كلم) تؤكد بأن فكرة تجهيز البنية التحية للطرقات والقناطر والممرات، لم تكن من أجل سواد عيون المغاربة بقدر ما كانت من أجل تسهيل استغلال الموارد الطبيعية والبشرية لفائدة المحتل الفرنسي، وبسواعد مغربية تحت سياط القهر والاستغلال والظلم. ( نظام السخرة والكرفي/ الكلفة).

حكاية من حكايات ذاكرة أيت عتاب و نظام " العسة" و " السخرة " و "الكلفة" :

يحكي ميلود الثابيات ( متقاعد فوسفاطي) وهو بالمناسبة أحد أبناء المرحوم الثابيات محمد بن محماد العتابي، أن والده روى له حكاية مؤلمة عن نظام " الكلفة " الذي كان يفرضه المحتل الفرنسي على ساكنة منطقة أيت عتاب خاصة، والمناطق المجاورة والتابعة لإقليم أزيلال عامة حيث يحكي والده :

" كان المقيم العسكري ب "القشلة" التي شيدت على قمة الجبل بأيت عتاب ، يلجأ لنظام الكلفة والسخرة والعسة ( الكرفي) كلما احتاج إلى سواعد الشباب لتنفيذ أجندته الاستمعارية على جميع المستويات، وكان يقوم بفرض مساهمة كل أسرة بفرد من عائلتها، ودابة قوية للقيام بالأعمال الشاقة مجانا وبدون مقابل، سواء في حفر الخنادق أو شق الطرقات بالجبل، أو نقل الأخشاب وغير ذلك نحو مدينة أزيلال على بعد 70 كلم ". وأكد ميلود لعتابي بأن المقيم العسكري حسب حكاية والده، كان "يفرض على كل أسرة بأن تضع فردا من العائلة رهن إشارة المحتل، بالإضافة إلى تسخير دابة ( بغل) لنقل الأخشاب ( الكايزة) من القشلة نحو أزيلال " . وعن هذه العملية المتعبة أضاف قائلا حسب رواية والده " لقد كان والدي شابا قوي البنية ( في سن بين 18 و 20 سنة ) ، وكان هو المؤهل للقيام بهذه المهمة المتعبة والشاقة مشيا على الأقدام وهو يسوق الدابة المحملة بقطع الأخشاب على مسافة 70 كلم، بين ممرت الجبل الوعرة ".

هذا نموذج/ ذاكرة حكي معاناة المواطنين بجبال الأطلس من الاحتلال الفرنسي في تلك الفترة العصيبة، حيث نجد نفس الشي استعمل بالإكراه لتشييد وبناء بنية تحتية استغلها الفرنسيون للاستحواذ على خيرات الوطن ( طرقات / معابر / قناطر ..). أكيد أن البنية التحتية للطرقات والمعابر والقناطر التي أحدثها المستعمر الفرنسي بسلسلة جبال لأطلس المتوسط ( إقليم أزيلال نموذجا) ، قد فتحت اليوم باب التواصل الإنساني، وفسحت المجال لإنشاء العديد من فروع المؤسسات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، لكنها تحتاج إلى التعزيز والتقوية وإعادة التأهيل لفك العزلة عن ساكنة الجبل.

ملاحظة لها علاقة بما سبق: لابد من مساءلة القائمين على تدبير الشأن المحلي والإقليمي والجهوي عن منجزاتهم وعن مشاريعهم التنموية التي برمجوها بالمنطقة، ومحاسبتهم عن عدم تلبية احتياجات ساكنة جبال الأطلس الاجتماعية والاقتصادية ، لسبب بسيط جدا يتعلق بتضحياتهم الجسيمة ودفاعهم بالغالي والنفيس على الوطن في سبيل جلاء المستعمر الفرنسي.

منعرجات الطرق الصعبة بإقليم أزيلال في اتجاه ايت عتاب