السبت 23 نوفمبر 2024
في الصميم

الترامواي.. ماكينة «الفقسة والتشرميل» بالبيضاء!

الترامواي.. ماكينة «الفقسة والتشرميل» بالبيضاء! عبد الرحيم أريري

في بوردو أو غرونوبل أو جنيف أو بروكسيل أو ميلانو، وغيرها من المدن الأوربية، ما أن يتم تشغيل خط جديد للترامواي حتى يتنفس مستعملو الطريق والبوليس الصعداء، بالنظر إلى أن الخط الجديد للترامواي سيغني السائقين عن تحمل عذابات الازدحام المروري في الطرق والملتقيات من جهة، ويحرر مصالح الشرطة من عبء تسخير عناصر شرطة المرور لتنظيم الاختناقات في السير من جهة ثانية.

في المغرب سارت الأمور بالمقلوب، إذ بعد الضجة الإعلامية والدعاية الغوبلزية (نسبة إلى غوبلز وزير دعاية هتلر) لمحاسن الترامواي، فوجئ الخاضعون للتكليف الضريبي ومصالح الأمن الوطني بأن ترامواي الدار البيضاء لم يأت سوى بـ «الفقسة» والمحنة المضاعفة لمستعملي الطريق وحرم مصالح الشرطة من 200 بوليسي تم تسخيرهم لتتبع الترامواي وتدبير نتائجه السلبية على حركة السير والجولان بالدار البيضاء (من ضمنهم 45 بوليسيا مكلفون بمحاربة الإجرام في عربات الترامواي).

فبسبب سوء دراسة مسار الترامواي وعدم مراعاته للبنية العمرانية وحركية شوارع الدار البيضاء وغياب دراسة تأثير الجدوى، تحولت العاصمة الاقتصادية إلى جحيم بالنسبة للأمن الوطني الذي خصص حوالي 3 في المائة من رجال الشرطة بالدار البيضاء للترامواي تختلف رتبهم بين حراس أمن ومقدم ومقدم رئيس ومفتش ومفتش ممتاز فضلا عن الضباط والدوريات التي تجوب الملتقيات (مثلا: غاندي، باشكو، الحسن الثاني، سبع شوانط، طريق الكارة، ابن سينا، الكليات...إلخ).

فالدار البيضاء التي تشكو أصلا خصاصا في عدد رجال الشرطة، كانت تنتظر الزيادة في عدد البوليس لتكون المدينة في مستوى المدن المماثلة عالميا (للمقارنة يوجد في باريز 55 ألف شرطي، أي ما يتوفر عليه المغرب ككل تقريبا!)، فإذا بها تضطر إلى تخفيض البوليس بالأحياء والكوميساريات والقيساريات وتسخيرهم لتحرير ممر الترامواي من الازدحام والاختناق.

الفظيع في الأمر أن منتخبي الدار البيضاء «ضربوا الطم» على هذه الفضيحة ولم يبادر أي فريق سياسي بمجلس المدينة للدعوة لاستدعاء مسؤولي شركة الدار البيضاء للنقل لمحاسبتهم على هذه الفظاعات. بل حتى البرلمان الذي يصوت على الميزانية العامة لم يخلق لجنة لتقصي الحقائق لمعرفة لماذا ترامواي خلق المتاعب في السير والجولان بدل أن يحل المشكل.. ولماذا ابتلع الخط الأول من الترامواي حوالي 600 مليار سنتيم وعوض أن يخفف المحنة بالشوارع زاد من تأزيمها بشكل رهيب.. ولماذا في المدن الأوروبية لا يوجد 200 شرطي لتأمين مرور الترامواي في كل خط وبكل مدينة عكس الحال بالدار البيضاء؟

فمؤخرا (وهذه مقارنة فاضحة) تمت الاستجابة لمطالب سكان مدينة الرحمة (120 ألف نسمة حاليا) بإقليم النواصر، وأحدثت مديرية الأمن منطقة أمنية ضمت حوالي 200 شرطي وحوالي مائة من الضباط والمفتشين العاملين في أقسام الشرطة القضائية والاستعلامات والدوائر والمواصلات (أي نفس العدد المخصص للترامواي).

هل من المنطقي أن يتحمل المواطن كلفة تكوين رجل أمن بمعاهد الشرطة وشراء لباسه وسلاحه وتعويضاته وتدريباته ليحارب الجريمة أم ليرافق ذاك الشرطي عربات الترامواي ليصحح اختلالات مسؤولي شركة الدار البيضاء للنقل وتقاعس مجلس المدينة وولاية البيضاء عن إنجاز دراسات جدية ورزينة حول انعكاس مسار كل خط على حركية السير؟

هل يعلم مسؤولو شركة الدار البيضاء للنقل أن إنجاز خط واحد من الطرامواي بشكل غير مدروس بدقة يتسبب في حرمان مدينة مغربية (من حجم العرائش أو الخميسات أو تازة) من منطقة أمنية؟

إذا افترضنا جدلا أن متوسط أجر كل شرطي هو 8000 درهما (مع احتساب التحملات الاجتماعية والضريبية) فمعنى ذلك أن الخزينة العامة للدولة تتحمل خسارة قدرها 1.600.000 درهما شهريا، أي 19.200.000 سنويا تسدد كأجور لحوالي 200 شرطي مخصص للترامواي.

وإذا أضفنا مخصصات الكسوة والسلاح والمازوط والسيارات، فإن المبلغ قد يصل إلى 3 ملايير سنتيم سنويا تصرف من جيوب المواطنين لتصحيح الجرائم المرتكبة في رسم مسار الترامواي الذي (أي المسار) لم يكن مدروسا بشكل علمي واخترق كل المحاور والمدارات الرئيسية مما يولد الازدحام الكارثي طوال اليوم بأهم شوارع الدار البيضاء.

أما إذا احتسبنا الخسارات التي يتكبدها الاقتصاد المحلي بالمدينة بسبب تعطيل مصالح الناس وتأخير تعاملاتهم وتنقلاتهم، فبالتأكيد سنصل إلى أرقام فلكية رهيبة.

لقد حان الوقت ليخرج وزير الداخلية من مكتبه، ويأمر بإجراء بحث حول الجرائم العمرانية والمالية التي تسبب فيها الترامواي بالدار البيضاء، حتى لا نضطر غدا إلى تخصيص كل رجال الشرطة للخطوط الأربعة المتبقية من الطرامواي.

وإذا تم ذلك، فمن الأحسن أن يتم إحداث مديرية عامة جديدة للأمن خاصة بالترامواي بالبيضاء أو إحداث سجن خاص بإيداع كل مسؤول أو مكتب دراسات احتقر ذكاء المغاربة في رسم مسارات الترامواي بشكل عشوائي دون إجراء دراسات انعكاسات الجدوى.