الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

رشيد صفـر: لنا الله والملك محمد السادس

رشيد صفـر: لنا الله والملك محمد السادس

"لنا الله والملك محمد السادس نصره الله"، هكذا تحدث سكان دوار سي غانم (دار المسعودي) بعمالة أنفا بالدار البيضاء، نساء رجالا وشبابا.

فبعد أن وصل طاقم "أنفاس بريس" و"الوطن الآن" لهذا الدوار يوم الاثنين 10 أكتوبر الجاري، للوقوف على الوضعية الكارثية التي يعيشها السكان منذ 3 سنوات، رصدت عدسة الجريدة، ما تعرضت له منازل السكان القديمة، من تصدع وشقوق وتساقط، بسبب أشغال شقِّ الأرض بواسطة آلة (بوكلان) الآكلة للأحجار والتراب، لحفر ساس بناء عمارات راقية على بعد أمتار قليلة من منازل سكان دار المسعودي، الذين قضوا أكثر من 50 سنة بالدوار آمنين مُطمئنين، لكن ليس الأمس كاليوم، إذ أصبحوا يعيشون الرعب والخوف ويواجهون خطر تهدم جدران وأسقف منازلهم والموت في أية لحظة، (انظر الصفحة 18 بالعدد 657 لأسبوعية الوطن الآن، لهذا الأسبوع).

عادة يتم ترحيل سكان الأحياء الهامشية، وإعادة إيواءهم قبل ترحيلهم من مساكنهم القصديرية، وبعدها تنطلق عمليات التمشيط والحفر، لإعداد وتهيئ الوعاء العقاري، قصد بناء مشاريع سكنية وتجارية أو مؤسسات مالية أو اقتصادية أو اجتماعية، لكن في دوار سي غانم دار المسعودي بالبيضاء، لا تزال دور السكان الأصليين (أغلبها بسقف قصديري وبعضها بسقف إسمنتي)، بجانب مشاريع البناء الضخمة، على شكل صورة كثل إسمنتية تزحف لقضم الدور السكنية القصديرية والإسمنتية القديمة، لم يُعارض أي من سكان المنطقة أو ممثليهم في المقاطعة والبرلمان، إنجاز هذه المشاريع، لأن الكل على يقين بأن المغرب يسير نحو التنمية والبناء والقضاء على دور الصفيح وتمكين سكانها من سكن لائق تحت قيادة وعناية ملك البلاد، لكن ما لا يستسيغه العقل والمنطق، هو أن تشرع آلات الحفر العملاقة، في شق الأرض وحفرها على بعد أمتار قليلة من منازل السكان. فكيف يمكن الترخيص لمثل هذه الأشغال رغم أن أبسط مسؤول بالمقاطعة والعمالة والولاية والوكالة الحضرية ووزارة السكنى والعمران، يعلم -علم اليقين- بأن الحفر يُسببُ التهدم لجدران وأسقف المنازل الهشة القريبة من الأشغال!!؟؟.

صاح السكان أمام ميكرفون "أنفاس بريس" متحسرين، بحزن ممزوج بالغضب، وأخبرونا بأن مسؤولا بشركة البناء اقترح عليهم مغادرة منازلهم، إلى حين نهاية أشغال الحفر، لكنه لم يقدِّم لا هو ولا الجهات المتدخلة، ضمانات لقاطني دور (دار المسعودي). ومن سخرية الحدث أن مسؤولا تفتقت "عبقريته" وكشفت عن إجراء غريب، حدَّده -كما قال السكان- في تثبيت أعمدة وسط المنازل، وترحيل السكان دون ضمانات في انتظار انتهاء أشغال الحفر، وعودة السكان من جديد لنفس المنازل، وزاد هذا "العبقري" -حسب تصريحات السكان- أنه بعد عودتهم، سوف يتمُّ التأكد من عدم سقوط الدور بعد نزع الأعمدة.. فهل بلغ العبث بأرواح المواطنين إلى هذا الحد الكارثي!!؟؟. من حسن الحظ أن المسؤول تراجع عن اقتراحه وأن السكان لم يقبلوا الخطة، التي كشفت في غفلة من صاحبها، بأن أرواح الفقراء وسكان دور الصفيح أرخص من المشاريع الاستثمارية، فرغم أن رئيس المقاطعة (أنفا) أمر بوقف أشغال الحفر، عادت من جديد، بدعوى أنها بعيدة شيئا ما عن الدور الآيلة للسقوط. ولكي نرسم صورة تقريبية للوضعية يجب أن تطأ رجلنا بأرض دار المسعودي، وأن يتزامن ذلك مع عمليات الحفر، إذ تحس بأن المكان يضربه الزلزال، حيث تهتز الأرض وتتحركُ معها جدران وأسقف المنازل، ويعم الرعب والخوف من سقوطها في أية لحظة. وجد السكان باجتهادهم الخاص، شرحا مُفصلا لما يقع وقال أحدهم  -رغم أنه ليس مهندسا أو عالما جيولوجيا أو أركيوليوجيا-: "لقد وصلت عمليات الحفر لحجرة كبيرة قديمة وصلبة جدا، يقع فوقها الدوار، فكلما وصل لها المسمار الكبير لآلة الحفر، اهتزَّتْ واهتزَّ معها الدوار وتصدعت وتساقطت معها الجدران والأسقف".

وكي يُعطي هذا المواطن الدليل على كلامه، اصطحبنا لسقف منزله الذي تعرض للتصدع وتساقطت بعض أجزائه وما زالت أخرى تنذر بالخطر، وتزامن ذلك من سوء حظ المسؤولين وحتى المواطنين مع بداية أشغال الحفر، فسقط جزء من السقف المذكور، فصاح مُرافقنا: "هااا .. شفتو بعينيكم بلا ما ندوي".

فهل يقبل كل مسؤول وأي مسؤول أو بورجوازي أو مستثمر، كيفما كان أصلهم ولقبهم ونسبهم، أن يلجوا رفقة فلذات أكبادهم، لمنزل تعرض للتصدع ويمكن أن تسقط جدرانه وأسقفه على رؤوس قاطنيه في أية لحظة!!؟؟.

يبدو أن كل المسؤولين عن الشأن المحلي والعام بالمنطقة، تخلوا عن سكان (دار المسعودي دوار سي غانم) وصاروا في نظر بعضهم مخلوقات مُزعجة غير مرغوب فيها، تقطن بوعاء عقاري يجذب المستثمرين، لذلك حق القول بأنهم ينتظرون وقوع الكارثة، فلا هم أوقفوا أشغال الحفر نهائيا ولا هم وجدوا حلولا لترحيل للسكان وإعادة إيوائهم.