Monday 10 November 2025

كتاب الرأي

بنسعيد الركيبي: الساعة الزائدة...ما الذي تغير في حياتنا؟

بنسعيد الركيبي: الساعة الزائدة...ما الذي تغير في حياتنا؟ بنسعيد الركيبي
منذ أن أضيفت ساعة إلى زمن المغاربة، صار اليوم أطول في ساعاته ولكنه أقصر في راحته. تعلن الحكومة كل سنة عن “الاحتفاظ بالساعة الإضافية” وكأنها تمنحنا وقتا من عمرها، بينما الواقع يقول إننا خسرنا توازننا مع الضوء والنوم والمدرسة والعمل والحياة. فلم تكن الساعة مجرد رقم على شاشة الهاتف، بل كانت تحولا في إيقاع المجتمع كله، فرض نفسه باسم “النجاعة الاقتصادية” و”التناغم مع الشركاء الأوروبيين”. وكأن حياة الناس قابلة للقياس بمعادلة إنتاج وتصدير واستيراد.
 
فمنذ 2018 والمغاربة يعيشون في زمنين متوازيين، زمن الساعة الرسمية التي تفرضها المراسيم الحكومية، وزمن الجسد الذي يرفض أن يستيقظ قبل الفجر بساعة. وبين القرار الإداري والجسم الاجتماعي، مساحة واسعة من الإرهاق والارتباك، لا تقاس بالكيلوواط الذي تدعي الدولة توفيره، وإنما بالعيون المرهقة والأطفال الذين يذهبون إلى مدارسهم في عتمة الصباحات، والعاملين الذين صاروا يطاردون وسائل النقل العمومي كما يطاردون الدقائق الضائعة من حياتهم. تعلل الحكومات الأمر بالمردودية، والمواطنون يردون بالتذمر المغلف بالإستسلام لمشيئة من يقرر متى ننام ومتى نستيقظ.
 
لقد كشفت الساعة الإضافية أمرا أعمق من مجرد خلاف حول التوقيت إذ تبين لنا أنها مرآة لعلاقتنا بالسلطة، ولطريقة اتخاذ القرار في هذا البلد. ففي كل مرة يطرح فيها النقاش حول هذا الموضوع، يكون الجواب جاهزا بلغة تقنية باردة ومعلمات بأن “الدراسة أثبتت الجدوى” وأن “المؤشرات إيجابية” و “التنسيق الدولي يفرض ذلك”. لكن لا أحد يسأل هل يشعر المواطن بالتحسن؟ هل ازداد إنتاجه فعلا؟ أم أنه فقط ازداد تعبا؟ حين يتكلم الناس عن الساعة الزائدة. المواطنون لا يناقشون علم الوقت وإنما يطلبون حقهم في العيش وفق إيقاعهم الطبيعي، مادام الزمن يمثل بالنسبة لهم جزءا من التجربة الإنسانية العميقة التي تتنفس بالشمس وتنام بالقمر.
 
الساعة الزائدة لم تضف شيئا إلى حياتنا سوى مزيد من التسرع والضجيج. فصرنا نركض أكثر.. نصل متأخرين.. ونستيقظ على منبه لا يرحم وكأننا في سباق مع زمن ليس لنا. قد يقول البعض إن الأمر بسيط وإن كل الدول تتعامل مع التوقيت الصيفي، لكن البساطة نفسها تخفي عمق الجرح. فحين تختزل الحياة في ساعة تقدم أو تؤخر، نفقد شيئا من علاقتنا بالأرض وبالطبيعة، وبالشروق والغروب، بالإيقاع الداخلي الذي علمنا متى نغلق عيوننا ومتى نفتحها على الضوء.
فما الذي تغير حقا؟ ربما لم يتغير شيء سوى أننا صرنا أكثر وعيا بأن الزمن في هذا البلد يسير وفق توقيت الحكومة.